الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، جَلَسُوا فِي الْبُيُوتِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا كَفِعْلِ النَّصَارَى مِنْ تَحْرِيمِ طَيِّبَاتِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ، وَهَمَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجُبَّ نَفْسَهُ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ كَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ النِّسَاءَ وَالزِّينَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَتَرَهَّبُوا، وَلَا يَأْكُلُوا لَحْمًا وَلَا وَدَكًا؛ وَقَالُوا: نَقْطَعُ مَذَاكِيرَنَا، وَنَسِيحُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا فَعَلَ الرُّهْبَانُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يَنْكِحُ النِّسَاءَ، وَيَأْكُلُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَيَنَامُ وَيَقُومُ، وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ، وَأَنَّهُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سَنَتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَقَالَ لَهُمْ: «إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، فَشَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. أُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارِ وَالصَّوَامِعِ، اُعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ». وَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي: رُوِيَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ضَافَهُ ضَيْفٌ، فَانْقَلَبَ ابْنُ رَوَاحَةَ وَلَمْ يَتَعَشَّ. فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَا عَشَّيْتِيهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا، فَانْتَظَرْتُك أَنْ تَأْتِيَ. قَالَ: حَرَمْت ضَيْفِي مِنْ أَجْلِي، فَطَعَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ ذُقْته. فَقَالَتْ هِيَ: وَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ لَمْ تُذَقْهُ. وَقَالَ الضَّيْفُ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ ذُقْته إنْ لَمْ تَذُوقُوهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ رَوَاحَةَ قَالَ: قَرِّبِي طَعَامَك، كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَغَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحْسَنْت. وَنَزَلَتْ الْآيَةُ: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ.» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ: «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا، فَنَزَلَتْ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute