للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مَسْأَلَة تَفْسِير قَوْله تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢]

فَذَكَرَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ، وَالزَّانِي كَانَ يَكْفِي عَنْهُ.

قُلْنَا: هَذَا تَأْكِيدٌ لِلْبَيَانِ، كَمَا قَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨]. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فِي الزِّنَا لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْوَاطِئُ وَالْمَرْأَةُ مَحَلُّ ذِكْرِهِمَا دَفْعًا لِهَذَا الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْقَع جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى قَالُوا: لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: جَامَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَفِّرْ ". وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِمُجَامِعَةٍ وَلَا وَاطِئَةٍ، وَهَذَا تَقْصِيرٌ عَظِيمٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَأَنَّهَا تَتَّصِفُ بِالْوَطْءِ، فَكَيْفَ بِالْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ مُفَاعَلَةٌ، هَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى لَبِيبٍ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢]

فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ الرَّجُلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: ذَلِكَ لِفَائِدَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: أَنَّ الزِّنَا فِي الْمَرْأَةِ أَعَرُّ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، فَصَدَّرَ بِهَا لِعِظَمِ حَالِهَا فِي الْفَاحِشَةِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ، فَصَدَّرَ بِهَا تَغْلِيظًا لِرَدْعِ شَهْوَتِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَّبَ فِيهَا حَيَاءً، وَلَكِنَّهَا إذَا زَنَتْ ذَهَبَ الْحَيَاءُ.

[مَسْأَلَة حَدّ الزِّنَا]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: ٢]

جَعَلَ اللَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا قِسْمَيْنِ: رَجْمًا عَلَى الثَّيِّبِ، وَجَلْدًا عَلَى الْبِكْرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور: ٢] عَامٌّ فِي كُلِّ زَانٍ، ثُمَّ شَرَحَتْ السُّنَّةُ حَالَ الثَّيِّبِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ». فَقَالَ سُنَّةً، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْجَلْدَ قُرْآنًا، وَبَقِيَ الرَّجْمُ عَلَى حَالِهِ فِي الثَّيِّبِ، وَالتَّغْرِيبُ فِي الْبِكْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَالِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>