بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سيدي، ووليي، ومن أرشده الله وعصمه؛ تصفحت ما خاطبتنا به، فأما كتاب الاسترعاء بالشركة فإن شهوده قالوا: إنهم يعرفون عبد الله ومحمدًا ابني خيرة، وأنهما شريكان متفاوضان في جميع أموالهما ... إلى آخر العقد، وهذه شهادة ناقصة لا يجب بها قضاء شركة بينهما؛ إذ لم يفسروا معرفتهم بها؛ إن كانت بإشهاد من عبد الله ومحمد أو بإقرار عندهم بذلك، لجواز أن يعرفوا ذلك بسماع يذكر، وهذا غير عامل، فلما جاز أن تكون المعرفة بذلك؛ لم يجز الحكم في هذا بالشركة، إلا بحق لا شك فيه ولا احتمال، ولا سيما إن كان الشهود من غير أهل العلم بهذا، فإن فسر الشهود المذكورون ذلك بالوجه الجائز حكمت بالشركة.
وهذه مسألة شاهدت الشورى فيها، وقد نزلت، وقال أبو محمد رحمهما الله بهذا، ونفذ الحكم به. وكان استظهر في ذلك بمثل العقد المذكور.
وأما ما ذكرت من حضور محمد بن أحمد بن صفوان، وقوله وإقراره بما ذكرت عنه في المقال المذكور، بمحضر عبد الله بن خيرة، وموافقته له عليه وتصديقه له، فرأيت للقاضي أبي بكر ابن زرب بخطه ورحمه الله، وقال في مسائل ذكره: أنه وقع في الكتاب الثاني من أحكام محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: وإذا كان لرجل على رجل حق فكتب له إلى رجل له عنده مال من دين أو وديعة أن يدفع إليه ماله، فدفع الكتاب إلى الذي عنده المال، فقال: أما الكتاب فإني أعرفه وهو خطة، ولكني لا أدفع إليك شيئًا: فذلك له، ولا يحكم عليه بدفعه، ولا يبرئه دفعه إن دفع إذا جاء صاحب الحق فأنكر الكتاب، وكذلك لو قال: قد أمرني أن ادفع إليك ولكني لا أفعل، فذلك له؛ لأنه لا يبرئه ذلك إن أنكمر الذي له المال أو مات قبل أن يسأل.
ورأيت لسحنون غير هذا أنه يقضي عليه بدفع ذلك لإقراره بأمر صاحب المال له. وكل له وجه، فإن قادك الاجتهاد إلى أحد القولين بعد تحصين أمر الشركة؛ فقلد من رأيت. وكتاب ابن زرب رحمه الله إياها يدل على استحسانه لما كبته، وإن أخذت بقول سحنون فأشهد على ذلك من حكمك، والله عز وجل يليهم الجميع إلى الصواب وما فيه الخلاص والنجاة برحمته إن شاء الله عز وجل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.