للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآفَةُ العَقْلِ الْهَوى فَمَنْ عَلا ... عَلى هَواهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجا (١)

الفائِدَةُ الثَّانِيةُ:

أن الشيطان عبارة عن غلبة الغضب، وغلبة الشهوة مع التمييز بينهما، والإدارك لما يترتب عليهما من المنافع والمضار، واستعمالهما على خلاف الحكمة مع عدم مراعاة اجتلاب المنافع واجتناب المضار، بل هكذا خَبْطَ عَشْواء على مَتن عَمْياء.

فقد علم بذلك أن الإنسان المتميز عن البهيمة والسبع بالنطق والتمييز إذا غلبت عليه الشهوة والغضب كان بهيمة وسبعاً لغلبة شهوته وغضبه، بل أضلّ منهما، لأن الشهوة - وإن غلبت على السباع - فإنها لا تميز بين مضار ذلك ومنافعه، ولا تعرف طريق وضعه في مواضعه، فهي معذورة في ذلك، ومن ثم لم تكن مكلفة، ولا يترتب على فعلها ثواب ولا عقاب، بخلاف الإنسان؛ فإن الشهوة والغضب قد غلبا عليه، وهو مميِّز بين مضارهما ومنافعهما، وله عقل يعرف به طريق وضع كل منهما في موضعه، ومن ثم كان مكلفاً مطالباً، مثاباً على أفعاله، أو معاقباً عليها، فهو أخس من البهائم، وأجهل من السباع كما قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان: ٤٤].

وإنما كان أضل من البهيمة والسبع لأنه تنزل بجهله عن منزلتهما


(١) انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (٢/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>