للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يقع في تحريره هنا: أن الإنسان يخالط أهل العلم ليتعلم منهم أمور دينه التي يحتاج إلى الأخذ بها في عباداته، ثم يعتزل الناس كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى: تفقه ثم اعتزل (١)، ثم إذا عرض له مسألة لا علم عنده فيها خالط من يسأله عنها، وإذا عرض له طلب المعاش بكسب أو احتراف خالط بقدر ما تحصل له الكفاية مع الإغضاء عن الناس وما هم عليه، إلا أن يفاجأه منكر فيغيره باليد إن استطاع، وإلا فباللسان، وإلا فبالقلب.

هذا إذا لم يجعله الله داعياً إليه، فإن أنعم الله عليه بعلم زائد عنه أو بحال زائد عنه فعليه أن يخالط من يقصده للعلم، أو للتربية والنصيحة؛ فإنه مسؤول عن فضل علمه ومعرفته.

ومهما لم يكن في تلك الناحية من يقوم عنه بهذا المنصب، وكان في الناس بقية يرجعون إلى الدين ولو في بعض المسائل، فليس له أن يسكن غاراً بعيداً عنهم، ولا يَسُوح في البلاد ويتركهم.

نعم، له أن يلزم البيت ويكون حِلْساً من أحلاس بيته إذا كان بيته معروفاً؛ لأن المحتاج إليه يهتدي به بقصده حينئذ، وله الاحتجاب عن من يسأله لا لطلب الدين، بل ليتعلم منه الجدال والخصومات في غير حق، أو يستعين بعلمه على حيلة، أو رخصة، أو نحو ذلك.

وكذلك له أن يمتنع من تعليم من هذا حاله أو يعلم منه أنه يريد تولية القضاء.


(١) رواه الخطابي في "العزلة" (ص: ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>