خطبنا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة؛ فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: ٩٠](١).
يشبه أن يكون استدل أبو بكر - رضي الله عنه - بالآية على جميع ما أوصاهم به من التقوى والثناء، وخلط الرغبة بالرهبة من حيث إنَّ المسارعة إلى الخيرات هي التقوى، أو نتيجة التقوى التي هي جماع كل خير.
وقال تعالى ممتناً على إبراهيم وآله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}[الأنبياء: ٧٣] أي: وحي نبوة؛ أي: أرسلناهم لفعل الخيرات والدعوة إليها.
ويحتمل أن يكون المراد وحي الإلهام؛ أي: ألهمناهم وألقينا في قلوبهم فعل الخيرات؛ إذ لا يكون فعل الخير إلا بتوفيق من الله تعالى وإلهام، ولذلك أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله فعل الخيرات.
وروى الترمذي وصححه، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلاة"، والطبراني، والحاكم عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: احتبس عنَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس،
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٤٣١)، والحاكم في "المستدرك" (٣٤٤٧)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (١/ ٣٥)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٥٩٤).