وقد يكون في الإنسان شيء من قوة الجأش، ويحشر نفسه في زمرة الأبطال، ويزحف في مقدمة الزاحفين، حتى إذا التقى الجمعان، وكشرت المنايا تحت سحاب النقع، أخذ الفزع من الموت بمجامع قلبه، وذهبت نفسه شَعاعاً، ولاذ بالفرار، أو استسلم للعدو، وفاته أن يكون من الصابرين حين البأس. وجاءت أنواع الصبر في الآية على وجه الترقي من الشديد إلى الأشد، فالصبر على المرض أصعب من الصبر على الفقر، والصبر حين البأس أصعب من الصبر على المرض.
المشار إليهم: من تقدم ذكرهم من المحرزين لخصال البر. واسم الإشارة (ذلك) أحضرهم في أذهان المخاطبين، وهم متصفون بتلك الخصال العظيمة. وجاء الإخبار عنهم بأنهم الصادقون المتقون مبشراً لهم بأنهم بلغوا بإحراز تلك الخصال الغاية التي يطمح إليها أرباب البصائر النيرة، والنفوس الطاهرة، وهي مقام الصدق والتقوى، والصدق توصف به الأقوال المطابقة للواقع، وتوصف به الأفعال الواقعة على ما ينبغي أن تكون عليه؛ كما قالوا: صدقوهم القتال، وقالوا: فلان صادق الحملة. ومن حازوا خصال البر صادقون في القيام بما أوصى الله به من أعمال الخير. والمتقون: من الاتقاء، وهو الحذَر، واذا أطلق المتقي في كلام الشارع، فهو الحذِرُ من عقاب الله؛ بتجنب معاصيه، وامتثال أوامره. وعقبى الصادقين المتقين الفوز بطمأنينة النفس في العاجلة، والنعيم الدائم في الآخرة. ففي هذه الجملة من الآية ثناء على أولئك الأبرار، وإيحاء إلى ما يلاقونه من اطمئنان وخيرات حسان.