للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}:

هذا معطوف على {مَنْ آمَنَ}. {وَالْمُوفُونَ}: من الإيفاء، وهو الإنجاز. والعهد: الميثاق والذمة، فيشمل ما يقع بينهم وبين الناس من عقود، وما يلتزمون لله من نذور؛ كما قال في آية أخرى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧]، ويدخل في هذه الخصلة: الوفاء بالوعد؛ فإنه معدود في أسمى مكارم الأخلاق. ويقضي بإنجاز الوعد إذا علق بسبب؛ كأن يقول لشخص: تزوج، وأدفع لك المهر، فعقد الموعود على امرأة اعتماداً على هذا الوعد. وقال تعالى: {إِذَا عَاهَدُوا}، فأشار إلى أن إيفاءهم بالعهد لا يتأخر عن وقت حصول العهد.

{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}:

{الْبَأْسَاءِ}: الفقر. {وَالضَّرَّاءِ}: السقم والوجع. والبأس: القتال. {وَالصَّابِرِينَ} معطوف في المعنى على {مَنْ آمَنَ}؛ كقوله: {وَالْمُوفُونَ}، ولكنه جاء منصوباً جرياً على الأسلوب المعروف بين البلغاء، وهو أن المتكلم إذا أراد التنبيه على فضل زائد في المعطوف على مرفوع، غَيَّرَ وجه الإعراب، وأتى به منصوباً على تقدير فعل يدل عليه مقام المدح، وجرى علماء العربية على أن يبينوه بنحو: أمدح، أو أخصّ.

ولا ريب في أن خصلة الصبر على الشدائد، وحين القتال في سبيل الله، جديرة بأن ينبه لمزيد فضلها؛ إذ هي أصل لكثير من المكارم؛ كالعفاف عما في أيدي الناس، والتسليم للقضاء الذي لا مرد له، والإقدام الذي يحمى به الدين، وتسلم به النفوس والأموال والأعراض. وجاءت كلمة (حين) في قوله: {وَحِينَ الْبَأْسِ} مشيرة إلى أن مزية الصبر في القتال إنما تظهر حين تدور رحى الحرب، وتأخذ الأسلحة في قطف الرؤوس من الأعناق، وسلب