للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرها، فيقال: نعق المؤذن، ونعق الراعي بالضأن. والدعاء في الآية، كما هو الظاهر مما حكاه الطبري عن السدي: الصياح بالبهائم لتأتي، والنداء: الصياح بها لتذهب.

وقيل: الدعاء للقريب، والنداء للبعيد، فيكون الصوت في النداء أرفعَ منه في الدعاء. والآية تمثل حال الكفار ومن يدعوهم إلى التوحيد بحال البهائم والراعي الذي ينعق بها، وذكر في جانب المثل المشبه المدعوين إلى التوحيد فقط، وهم الكفار، فقال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}. . . إلخ، ولم يذكر الداعي إلى التوحيد، وإنما دل عليه ما يقابله في المثل المشبه به؛ أعني: قوله: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ}. والمعنى بعد ملاحظة ما اقتضى الإيجاز حذفه: وشأن الذين كفروا والداعي لهم إلى الإيمان حين يدعوهم، فيعرضون عن دعوته، وينصرفون عن تفهمها؛ كشأن البهائم والراعي حين يصيح بها لتقبل أو تدبر، فلا تسمع إلا صوتاً أو ألفاظاً لا تعقل لها معنى.

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}:

صمٌّ عن استماع دعوة الحق، بكمٌ عن إجابة الداعي إليها، عميٌ عن آيات صدقها، فهم بمنزلة من فقدوا عقولهم؛ إذ فقدوا أهم طرق الإدراك؛ أعني: السمع والبصر، وأهم وسيلة للثقافة، وهي استطلاع الحقائق من طريق المحاورة.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}:

الطيبات من الأطعمة: المستلذات، ويصح حملها على ما طاب من الرزق بتحليل الله له. وما رزقناكم: ما أوصلناه إليكم من الرزق، وهو ما ينتفع به، ومنه اسم "الرزاق"، وهو خاص به تعالى، لا يجوز إطلاقه على غيره؛