للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدُهما دون الآخر فلا وجهَ له (١).

وهذا [قولُ] (٢) من عَمِيَ عن الهدى وصَمَّ عن سماعه، وإنما تحصُل الهدايةُ من ألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشرقُ ألفاظُها في صدر من تلقَّاها بالتصديق والقبول، فأذعَن لها بالسمع والطاعة وقابلَها بالرضا والتسليم، وعَلِمَ أنها منبعُ الهدى ومَعِينُ الحقِّ.

ونحنُ ــ بحول الله (٣) ــ نوضِّحُ لمن اشتبه ذلك عليه فُرقانَ ما بينهما، وفائدةَ الفأل، ومضرَّةَ الطِّيَرة، فنقول: الفألُ والطِّيَرة وإن كان مأخذُهما سواءً، ومُجتَناهما واحدًا، فإنهما يختلفان بالمقاصد، ويفترقان بالمذاهب؛ فما كان محبوبًا مستحسَنًا تفاءلوا به وسَمَّوه: الفأل، وأحبُّوه ورَضُوه (٤)، وما كان مكروهًا قبيحًا منفِّرًا تشاءموا به وكرهوه وتطيَّروا منه، وسَمَّوه: طِيَرة؛ تفرقةً بين الأمرين، وتفصيلًا بين الوجهين.

وسئل بعضُ الحكماء، فقيل له: ما بالكم تكرهون الطِّيَرة، وتحبُّون الفأل؟ فقال: لنا في الفأل عاجلُ البشرى وإن قَصُرَ عن الأمل، ونكرهُ الطِّيَرة لما يلزمُ قلوبَنا من الوَجَل.

وهذا الفرقانُ حسنٌ جدًّا، وأحسنُ منه ما قاله ابنُ الروميِّ في ذلك: الفألُ لسانُ الزمان، والطِّيَرةُ عنوانُ الحَدَثان (٥).


(١) انظر: «الحيوان» (٣/ ٤٦٠)، و «الأزمنة والأمكنة» (٢/ ٣٥٤).
(٢) زيادة تقديرية.
(٣) (ق): «بحمد الله». خطأ.
(٤) (ق): «ورضيوه».
(٥) تقدم (ص: ١٤٧٥).