للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قام بكلٍّ منها من الصِّفات التي اختصَّت به، فأوجبَ الملاءمةَ والمنافرة؛ فملاءمةُ العدل والإحسان والبِرِّ للعقول والفِطر والحيوان [هي] لِمَا اختصَّت به ذواتُ هذه الأفعال من أمورٍ ليست في الظُّلم والإساءة (١)، وليست هذه الملاءمةُ والمنافَرةُ لمجرَّد العادة والتَّديُّن بالشرائع، بل هي أمورٌ ذاتيةٌ لهذه الأفعال، وهذا مما لا ينكرُه العقلُ بعد تصوُّره.

الوجه السَّابع عشر (٢): أنَّا لا ننكِرُ أنَّ للعادة واختلاف الزَّمان والمكان والإضافة والحال تأثيرًا في الملاءمة والمنافَرة، ولا ننكرُ أنَّ الإنسان يلائمُه ما اعتاده من الأغذية والمساكن والملابس، وينافِرُه ما لم يَعْتَدْه منها وإن كان أشرفَ منها وأفضل، ومن هذا إلفُ الأوطان، وحبُّ المساكن والحنينُ إليها.

ولكن هل يلزمُ من هذا أن تكون الملاءمةُ والمنافَرةُ كلُّها ترجعُ إلى الإلف والعادة المجرَّدة؟ ومعلومٌ أنَّ هذا مما لا سبيل إليه؛ إذ الحكمُ على فردٍ جزئيٍّ من أفراد النَّوع لا يقتضي الحكمَ على جميع النَّوع، واستلزامُ الفرد المعيَّن من النَّوع للازمٍ معيَّنٍ لا يقتضي استلزامَ النَّوع له، وثبوتُ خاصَّةٍ معيَّنةٍ للفرد الجزئيِّ لا يقتضي ثبوتها للنَّوع الكليِّ.

الوجه الثَّامن عشر: أنَّ غاية ما ذكرتم من خطأ الوهم في اعتقاده إضافةَ القُبح إلى ذات الفعل، وحُكمه بالاستقباح مطلقًا، مما قد يَعْرِض في بعض الأفعال، فهل يلزمُ من ذلك أنه (٣) حيث قضى بهاتين القضيَّتين يكونُ غالطًا بالنسبة إلى كلِّ فعل؟ ونحن إنما عَلِمنا غلطَه فيما غَلِط فيه لقيام الدَّليل


(١) (ت): «ليست من الظلم والإساءة».
(٢) وقع في أرقام الأوجه اضطراب في الأصول، والمثبت من (ط).
(٣) في الأصول: «أثر». وفي طرة (د، ق): «لعله: أنه»، وهو ما أثبتُّ.