للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشريعةُ باستقباحه، فكَسَتْهُ قُبحًا إلى قُبحه، فصار قبيحًا من الجهتين.

وأيضًا؛ فهذه القضايا مستحسَنةٌ ومستقبَحةٌ عند من لم تبلُغه الدَّعوة، ولم يقرَّ بنبوَّة.

وأيضًا؛ فمجيء الرَّسول بالأمر بحسَنها، والنهي عن قبيحها دليلٌ على نبوَّته، وعَلَمٌ على رسالته، كما قال بعض الصَّحابة وقد سئل عمَّا أوجبَ إسلامَه؛ فقال: «ما أمَر بشيءٍ فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيءٍ فقال العقل: ليته أمَر به» (١).

فلو كان الحُسْنُ والقُبْح لم يكن مركوزًا في الفِطر والعقول لم يكن ما أمَر به الرسولُ ونهى عنه عَلَمًا من أعلام صِدقه، ومعلومٌ أنَّ شرعَه ودينَه عند الخاصَّة من أكبر أعلام صِدقه وشواهد نبوَّته، كما تقدَّم.

الوجه السَّادس عشر: قولكم في مَثارات الغَلط التي يَغْلَطُ الوهمُ فيها: إنها ثلاثُ مثارات:

الأولى: أنَّ الإنسان يُطْلِقُ اسمَ القبيح على ما يخالفُ غرضَه، وإن كان يوافقُ غرضَ غيره، من حيث إنه لا يلتفتُ إلى الغير، فإنَّ كلَّ طبعٍ مشغوفٌ بنفسه، فيقضي بالقُبح مطلقًا؛ [فأصاب في أصل الاستقباح] (٢)، وأخطأ في إضافة القُبح إلى ذات الشيء، وغَفَل عن كونه قبيحًا لمخالفة غَرَضِه، وأخطأ في حكمه بالقُبح مطلقًا، ومنشؤه عدمُ الالتفات إلى غيره (٣).


(١) تقدم (ص: ٨٧٤).
(٢) ليست في الأصول. ويدلُّ عليها نصُّ كلام الغزالي المتقدم (ص: ٩٧٥).
(٣) انظر: (ص: ٩٧٥).