[الروم يهزمون المسلمون ويعمّرون ما خرب من سور الرّها]
وولّى جماعتهم منهزمين، وعمّر الروم ما خرب من سور المدينة وأعادوا إليها أبوابها، ورتّبوا فيها من الرجال، وأعدّوا سائر ما يحتاج إليه من السلاح والميرة وغير ذلك.
[الروم يهزمون العرب والعجم والأكراد ثانية عند الرّها]
وعاد إليهم نفر من المسلمين أكثر عددا من النفر الأول، مجتمع من العرب والعجم والأكراد والحاضرة من أماكن بعيدة وقريبة، وحاصروا المدينة، وقاتلوا الروم، فاستظهر الروم عليهم وقتلوا منهم، ونكبوا عدّة كبيرة، فولّوا منهزمين خازين.
[[المسلمون يأخذون الأسرى من سميساط]]
وقصد جماعة منهم من بعد منصرفهم عن الرّها بلد سميساط لخلوّه من عسكر الروم، واجتماعهم في الرّها، فأتوا عليه وأسروا منه وقتلوا جماعة، وعبروا بالأسارى في الفرات، فغرق أكثرهم وهلك (١).
[[بنو نمير يستولون على حصون الجزيرة]]
وكان بنو نمير قد استولوا على جميع حصون الجزيرة، وحصل كلّ منها في يد أمير من أمرائهم، وتغلّب على حرّان بعض الأشراف، فاستعانوا بأحداثها وتقوّوا بهم على غيرهم. واستضاموا أهل المدينة ونهبوهم، وأفسدوا أحوالهم، وخرج أكثرهم عنها هاربين، وأخذوا أيضا مجمعا للصابئة، وهو
(١) قال ابن الأثير: «في هذه السنة ملك الروم مدينة الرها، وكان سبب ذلك أنّ الرها كانت بيد نصر الدولة بن مروان، كما ذكرناه، فلما قتل عطير الذي كان صاحبها شفع صالح بن مرداس، صاحب حلب، إلى نصر الدولة ليعيد الرّها إلى ابن عطير، وإلى ابن شبل، بينهما نصفين، فقبل شفاعته، وسلّمها إليهما. وكان له في الرّها برجان حصينان أحدهما أكبر من الآخر، فتسلّم ابن عطير الكبير، وابن شبل الصغير، وبقيت المدينة معهما إلى هذه السنة، فراسل ابن عطير أرمانوس ملك الروم، وباعه حصّته من الرّها بعشرين ألف دينار، وعدّة قرايا من جملتها قرية تعرف إلى الآن بسنّ ابن عطير، وتسلّموا البرج الذي له، ودخلوا البلد فملكوه، وهرب منه أصحاب ابن شبل، وقتل الروم المسلمين، وخرّبوا المساجد. وسمع نصر الدولة الخبر، فسيّر جيشا إلى الرّها، فحصروها وفتحوها عنوة، واعتصم من بها من الروم بالبرجين واحتمى النصارى بالبيعة التي لهم، وهي من أكبر البيع وأحسنها عمارة، فحصرهم المسلمون بها وأخرجوهم، وقتلوا أكثرهم، ونهبوا البلد، وبقي الروم في البرجين، وسيّر إليهم عسكرا نحو عشرة آلاف مقاتل، فانهزم أصحاب ابن مروان من بين أيديهم، ودخلوا البلد وما جاورهم من بلاد المسلمين، وصالحهم ابن وثّاب النّميري على حرّان وسروج وحمل إليهم خراجا». (الكامل في التاريخ ٩/ ٤١٣) وانظر: تاريخ الزمان ٨٤،٨٥، والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٧٥، والدرّة المضيّة ٣٣٣.