للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزمن، فلا أرى أن يستباحوا بقتلٍ ولا استرقاق، وأما الذرية -يعني ذرية الناقضين منهم- فيُسْتَرَقُّون (١) .

ففرَّق ابن القاسم بين الذُّرِّيَّة، وإن كانوا لا يوجد منهم قتال، ولا إعانة في نقض، وبين من علم أنه مغلوب من الرجال، إنما أرى (٢) ذلك -والله أعلم- لأنَّ الذريةَ تَبَعٌ في الحكم لرجالهم الذين نقضوا كما تقدم، وليس كذلك من له حكم نفسه من الرجال، فإنَّ أحداً لا يؤخذ بجريرة أحد، وكذلك يجب أن يكون الحكم في ذراري هؤلاء المستضعفين من رجالهم، الذين عُلِمَ أنهم لم يكن منهم في ذلك النقض عملٌ ولا رِضىً، فلا يباح سَبْيُ ذراريهم؛ لأنهم تَبعٌ في الحكم لهم، وإنما تكلَّم ابن القاسم على ذراري الناقضين دونهم، وقال غيره من أصحاب مالك، منهم ابن الماجشون (٣) وغيره (٤) : «إنَّ نَقْضَ كبارهم يُعَدُّ نقضاً عليهم، كما أن صُلحَهم صُلحٌ عليهم» ، فلم يفرقوا بين المستضعفين وغيرهم، وحملوهم في ذلك محمل الذرية. قال أبو الوليد بن رشد (٥) : لا ينبغي أن يختلف فيهم إذا عُلم أنهم مغلوبون ومُكْرَهون غير راضين؛ لقوله -تعالى-: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤، الإسراء: ١٥، فاطر: ١٨، الزمر: ٧] ، ويحمل الخلاف على من

جُهِل أمره، وادَّعى الإكراه.

وقال الأوزاعي (٦) : أهل العهد لا تؤخذ العامة منهم بنقض الخاصة، وقاله


(١) نقله عنه ابن رشد في «البيان والتحصيل» (٦/٦٠٩) ، وابن أبي زيد القيرواني في «النوادر والزيادات» (٣/٣٤٦) .
(٢) كذا في الأصل والمنسوخ، وفي هامش المنسوخ: «كذا. ولعلها: رأى» .
(٣) انظر: «البيان والتحصيل» (٢/٦١١) .
(٤) مثل أصبغ، وابن حبيب. كما في «البيان والتحصيل» .
(٥) المصدر السابق. وانظر: «النوادر والزيادات» (٣/٣٤٦) .
(٦) مقالة الأوزاعي هذه ضمن رسالة طويلة كتبها إلى صالح بن علي، أورد أبو عبيد في كتابه «الأموال» (ص ٢٢٢- ٢٢٣ رقم ٤٦٧) قطعةً منها، فيها هذه العبارة.

<<  <   >  >>