للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكُفُّوا عنهم؛ لأن القتل للمسلمين شهادة، والإسلام أعزُّ من أن يُعطى مشركٌ على أن يكفَّ عنه، قال: إلا أن يخاف المسلمون أن يصطلموا؛ لكثرة العدو، وقِلّتهم، أو خلّة فيهم، فلا بأس أن يُعطوا في تلك الحال شيئاً ليَتَخَلَّصوا منهم؛ لأنه من معاني الضرورات، يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها، أو يؤسر مسلم، فلا يُخلّى إلا بفدية، فلا بأس؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدى رجلين من المسلمين أسرهما العدو، برجلٍ (١) من المشركين» .

والأرجح ما ذكره الشافعي، أن ذلك لا يجوز لكل عذر، من مضرةٍ تُتّقى، أو مصلحةٍ تُرتجى، فإن في إعطاء المال لأهل الكفر على أن يكفوا صغاراً على أهل الإسلام، وذلك لا يجوز أن يستجلب بمثله مصلحة، أو يستدفع به ما لا يستأصل من المضرَّة، فإذا انتهى الأمر إلى خوف الاستئصال والاصطلام، بإحاطة العدو وقوته، وتحقق العجز عن مقاومته، جاز في هذه الحال؛ لأنه أيسر المكروهَيْن، والله أعلم.

وقد ظنَّ من ذهب إلى جواز إعطاء المسلمين المال في مصالحة العدو لضرورةٍ تَعْرِضُ في ذلك -وإن لم ينته الضَّعف بالمسلمين غايته- أن له دليلاً على ذلك، في حديث خرَّجه أبو عبيد في كتابه «الأموال» (٢) . قال: حدثنا عبد الله بن


= وتحرفت كلمة (يصطلموا) في مطبوع «الأم» (طبعة دار الكفر) إلى (يصطلحوا) .
(١) كذا في الأصل، وفي المنسوخ: «برجلين» ، وصواب العبارة أن يُقال: فَدَى رجلاً من المسلمين برجلين من المشركين، كما في مطبوع «الأم» ، و «الأوسط» . وقد مضى تخريجه.
(٢) «كتاب الأموال» (ص ٢١٠-٢١١/رقم ٤٤٥) .
وعبد الله بن صالح، هو كاتب الليث: صدوق كثير الغلط، ولكنه ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة.
وبقية رجال الإسناد ثقات. وهو مرسل.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٢/٦٩- ط. مكتبة الخانجي) : أخبرنا محمد بن حُميد العبدي، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، به، مرسلاً.
وفي مطبوع «الطبقات» -أبي المسيب- بدل: ابن المسيب.
وورد الحديث نحوه مطولاً، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى عيينة، والحارث بن عوف -وهما قائدا غطفان-، وورد نحوه مختصراً من حديث أبي هريرة. ذكره الهيثمي في «المجمع» (٦/١٣٢- =

<<  <   >  >>