للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع ذلك ذمة المسلمين، حتى يقاتلوا عنهم عدوهم، والجزية مما يجب دعاؤهم إليها إن كانوا من أهلها، وإجابتهم إن كانوا هُم الداعي إليها على كل حال، وليس كذلك في المهادنة؛ لأن المهادنة لا تجوز إلا من ضرورة -كما تقدم-.

والوجه الثالث (١) : أن يكون على مالٍ يؤدِّيه المسلمون، ففي جواز ذلك خلاف؛ رُوي عن الأوزاعي (٢) أنه قال: «لا يصلح ذلك إلا عن ضرورةٍ وشغلٍ من المسلمين عن حربهم، من قتال عدوهم، أو فتنةٍ شملت المسلمين، فإذا كان ذلك؛ فلا بأس» . وروي نحو ذلك عن سعيد بن عبد العزيز، وقال: فعله معاوية أيام صفِّين، وعبد الملك بن مروان؛ لشغله بقتال ابن الزبير (٣) .

وقال الشافعي (٤) : «لا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئاً بحالٍ على أن


(١) ذكره الونشريسي في «المعيار المعرب» (٣/١١١) ، وقال: «ولم أرَ من ذكر مسألة المهادنة من المالكية غير ابن أصبغ، المشتهر بابن المناصف في كتاب سماه «الإنجاد في أبواب الجهاد» ، ولم يذكر فيه قولاً لمالكي» . ثم نقل كلامه وكلام الإمام الشافعي الذي بعده.
(٢) انظر: «الأوسط» (١١/٣٣٥) ، «اختلاف الفقهاء» للطبري (١٤- وما بعدها) ، «فتح الباري» (٦/١٧٣) ، «عمدة القاري» (١٥/٩٧) ، «فقه الإمام الأوزاعي» (٢/٤٢١-٤٢٢) .
(٣) ففي سنة سبعين للهجرة، على عهد (عبد الملك بن مروان) -كما قال البلاذري-: «خرجت خيلٌ للروم إلى جبَل اللُّكام وعليها قائدٌ من قُوَّادهم، ثم صارت إلى لُبنان، وقد ضَوت إليها جماعةٌ كثيرة من الجراجمه، وأنباطٌ، وعبيدٌ أُبّاقٌ من عبيدِ المسلمين، فاضطرَّ عبد الملك إلى أن صالحهم على ألف دينارٍ في كُلِّ جُمعة، وصالح طاغية الروم على مالٍ يؤدِّيه إليه لِشغلهِ عن محاربته، وتخوُّفه أن يخرجَ إلى الشام فيغلب عليه» .
واقتدى في صُلحه بمعاوية حين شغل بحربِ أهل العراق، فإنه صالحهم على أن يؤدي إليهم مالاً، وارتهن منهم رُهَناء، وضعهم في بَعْلَبَك.
انظر: «فتوح البلدان» للبلاذري (ص ١٦٤) .
وقال الطبري في «تاريخه» (٦/١٥٠) ما نصُّه: «ثم دخلت سنة سبعين ... ففي هذه السنة: ثارت الروم، واستجاشوا على مَن بالشام من ذلك من المسلمين. فصالح (عبد الملك) مَلِكَ الروم على أن يؤدِّيَ إليه في كل جمعة ألف دينار، خوفاً على المسلمين» .
وانظر: «الجهاد والقتال في السياسة الشرعية» (٣/١٤٩٣) .
(٤) انظر: «الأم» (٤/١٩٩) ، ونقله عنه ابن المنذر في «الأوسط» (١١/٣٣٤-٣٣٥) . =

<<  <   >  >>