للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أحمد بن حنبل بنحوه (١) ، وكره مالكٌ أن يقاتلوا على مثل هذا، ولا ينبغي لمسلمٍ أن يُهْريق دمه إلا في حق (٢) ، ونحوهُ قال أصحاب الرأي (٣) : لا ينبغي للمسلمين المستأمنين أن يقاتلوا معهم إلا أن يخافوا على أنفسهم من قَبْل أنَّ حكم أهل الحرب هو الغالب، وكان الشافعي (٤) يقول في الأسارى: يُشترط لهم أن يخلَّوا إذا قاتلوا معهم، قد قيل: يقاتلونهم. ولو قال قائل: يكره قتالهم، كان مذهباً.

فأقول: إنَّ الوَجْهَ كراهةُ قتالهم معهم؛ لأن قتال الكفار إنما شُرِعَ لإعلاء كلمة الإسلام والدعاءِ إليه، لا لإعلاءِ كُفرٍ على كُفرٍ، بل لا يجوزُ لمجردِ الغَلبةِ والنَّيل منهم على الإطلاق، ألاَ ترى أنَّ الدعوة تَجِبُ قبلَ ذلك فيمن لم تبلغه باتفاق، فقتالهم معهم لم يكن لذلك، بل هو عونٌ للكفار على الكُفَّار، وذلك غير مشروع، إلا أن يكون عن أهلِ ذمَّةٍ من المسلمين، فيدافعُ عدوّهم عنهم، فذلك من إعلاء حُرمة الإسلام، والقيام بحدوده، وأما من أباح ذلك إذا شرطوا لهم أن يُخَلّوا عنهم، فتغليبٌ لأحد المكروهين على الآخر؛ لأن إقامتهم تحت أسر الكفار لا يحل لهم، متى أمكنهم سبيلٌ إلى التخلص، كبذل المال في الفداء ونحوه.

في النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض الحرب

قوله -تعالى-: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ. لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] .


(١) نقل ابن المنذر في «الأوسط» (١٢/٧٠) عنه قوله: «إن قال لهم: أخلّي عنكم، فلا بأس، رجاء أن ينجون. قيل له: فإن قال: أُعطيكم وأحسن إليكم. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قاتل لتكون كلمة الله ... » لاأدري» . وانظر: «المغني» (١٣/١٨٥- ط. هجر) .
(٢) نقله ابن المنذر في «الأوسط» (١٢/٦٩) عنه.
(٣) انظر: «مختصر اختلاف العلماء» (٣/٤٥٤) ، «الأوسط» (١٢/٦٩) .
(٤) قال ابن المنذر في «الأوسط» (١٢/٦٩) : «وكان الشافعي يقول: قد قيل: يقاتلونهم. وقيل: قد قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن المشركين، ولو قال قائل: يكره قتالهم، كان مذهباً» .

<<  <   >  >>