وعورض ما ذكره المصنف وهو المذهب من أن علم المحيل بإفلاس المحال عليه يوجب للمحال الرجوع إلى ذمة المحيل إن كان غره بما في كتاب المساقاة من المدونة: أن من باع بثمن إلى أجل والمشتري مفلس ولم يعلم البائع بذلك فقد لزمه البيع ولا مقال له. وفرق التونسي والمازري بينهما بأن البياعات تتكرر كثيراً لشدة الحاجة إليها وعدم الغنى عنها، فصار الكشف عن ذمة المشتري مما يشق، فلو لم يجز البيع للبائع إلا بعد الكشف عن ذمة المشتري والبحث عنها لتوقف أكثر البياعات بخلاف الحوالة فإنها لا تتكرر، فلا يعسر الكشف عن ذمة المحال عليه، وزاد المازري فرقاً آخر وهو أن البائع يدفع للمشتري سلعة تقارب الثمن الذي يحل في ذمته فاستغنى بذلك عن الكشف بخلاف الحوالة.
ابن عبد السلام: وأشبه [٥٤٢/ب] ما قيل في الفرق أن الحوالة بيع ذمة بذمة، وفلس الذمة عيب فيها فيوجب أن يثبت الخيار للمحال بسبب ظهوره على ذلك العيب، والعوض في مسألة المدونة المذكورة إنما هو الدين لا الذمة، قال: وهو ضعيف من وجهين: أحدهما: لا معنى لكونه الذمة هي العوض في الحوالة إلا أن الدين تعلق بها، وهذا مثله في مسألة المدونة قطعاً.
الثاني: سلمنا أن فلس الذمة عيب في الحوالة، لكن العيوب لا يشترط في القيام بها علم البائع وتدليسه؛ بل لمن اطلع على العيب القيام به، سواء علم به البائع أم لا.
وهكذا اعترض غير واحد هذه المسألة بأن فلس المحال عليه حين الحوالة إما أن يكون عيباً أم لا؛ فالأول: أن يكون للمحال الرجوع على المحيل سواء علم المحيل بفلس المحال عليه أم لا كغيره من العيوب، والثاني: لا يكون له الرجوع مطلقاً.
وأجيب بأنه عيب مع علم المحيل لغرره، وأجاب عبد الحق بأن البيع مبني على المكايسة، فغلظ على البائع فيه، والحوالة طريقها المعروف فسهل على المحيل إلا أن يغر. وأجاب الباجي بأن العيب في السلعة عيب في نفس العوض، وفلس المحال عليه عيب في محل العوض لا في نفسه، وبأن الحوالة بمنزلة بيع البراءة فلا يرجع إلا بما علمه البائع،