قوله:(وَقَالَ أَيْضاً: لا يُجْزِئُهُ إِلا فِي مُعَيَّنَةٍ) هذا أيضاً موافق لما في كتاب الإيلاء، ولا خلاف في الإجزاء في المعينة. وهذا كله إذا كانت يمينه على بر، وأما إن كانت على حنث كقوله: عليَّ عتق رقبة لأفعلن كذا.
ابن عبد السلام: المشهور في المذهب أن له تقديم العتق وأن له أن يحنث نفسه متى شاء، كانت الرقبة معينة أم لا.
وَلا تَجِبُ إِلا بالْحِنْثِ طَوْعاً
أما أنها لا تجب إلا بالحنث طوعاً فمتفق عليه وظاهر، وتقييده بالطوع يقتضي أنه لا يحنث بالإكراه مطلقاً، وهو قول في المذهب، والمشهور أن الحالف إن كانت يمينه على حنث، يحنث بالإكراه. ففي البيان: من حلف ألا يفعل فعلاً فأكره على فعله، فلا يحنث بلا اختلاف، وإنما اختلف إذا حلف ليفعلن فعلاً فمنع من فعله وحيل بينه وبينه المشهور أنه حانث، إلا أن يكون نوى إلا أن يغلب. وقال ابن كنانة. لا حنث عليه. انتهى.
واستشكل المشهور غير واحد من الشيوخ. قال في المدونة: ومن حلف ليأكلن هذا الطعام أو ليلبسن هذه الثياب، أو يركب هذه الدابة، أو يضرب عبده غداً، فماتت الدابة أو العبد، وسرقت الثياب والطعام قبل غد، فلا حنث عليه بالموت؛ لأنه كان على بر بالتأجيل، ويحنث بالسرقة إلا أن يكون نوى أن تسرق. وقوله: لأنه كان على بر. هذه العلة يشترك فيها جميع المسائل التي ذكرها، وإنما يريد: لأنه كان على بر ولم ينسب إليه تفريط بخلاف السرقة فإنه ينسب إليه تفريط، كما قال صاحب تهذيب الطالب وغيره: لأن الفعل في السرقة والغصب ممكن، وإنما منعه السارق والغاصب. وقال أشهب: لا يحنث في السرقة ونحوها.