ثم يوقف عند القضاء حتى يتراجع وإلا عوقب، فاتجاهه للنفاق حتى يسلم بنفسه سلوك طبيعي جدًا، ومع هذا فلم يكن أحد من الفقهاء بتاتًا يقول اتركوه حتى لا يكون منافقًا، بل يلزم بقانون الإسلام وباحترام نظامه وآدابه، ولو نافق مثله فهو خير من الإضرار بعموم المجتمع.
فإذا كان مثل هذه الصورة المؤدية فعلًا للنفاق غير معتبرة عند أحد من فقهاء الإسلام، فكيف تكون الخشية من النفاق مؤثرة في قضايا لا يمكن بتاتًا أن تكون سببًا للنفاق؟
(٣)
هل من يثير هذا السؤال يتصوّر حالة المنافقين في عصر الرسالة؟
النفاق وجد في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكرهم اللَّه في القرآن وحذر منهم وبيّن صفاتهم، ولم ينبت النفاق في المدينة إلا بعد أن قوي الإسلام واشتد عوده وظهرت شعائره، فوجودهم حالة طبيعية ملازمة لتطبيق الشريعة وقوتها وظهورها وليس عيبًا على الشريعة، فالنفاق لا يخرج إلا في المجتمع الإسلامي القوي، حين تظهر شعائره وتعظم حرماته فيلجأ بعض الناس لمسلك النفاق لأنه لا يستطيع أن يمارس فساده وانحرافه، فهذه علامة قوة وصحة للمجتمع، فوجود النفاق لا يؤدي لإلغاء الإلزام بالحكم الشرعي وإلا لكان هذا طعنًا وانتقاصًا من سيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسنته، لأن قوة الشريعة وظهورها على يده هو الذي ظهر بعده المنافقون، ولم يكونوا موجودين قبل ذلك لما كان الإسلام ضعيفًا في مكة.
فالحديث بطريقة: أن الإلزام يؤدي للنفاق وبناءً عليه فلا إلزام، تركيب خاطئ للموضوع.