مشايخه واستمدّ دعاءهم، فأجازوه ودعوا له وأثنوا عليه، وكان رفقته في الطّلب يطنبون في مدحه بكلّ جميل، ويصفون كرم نفسه بما يجد، فرجع إلى بلده بلد سيّدنا الزّبير، فعكف عليه الطّلبة لقراءة الفقه، وصغارهم في النّحو والصّرف، وشاهدوا الفتوح والبركة من أنفاسه الطّيّبة الطّاهرة؛ لحرصه على التّعليم، وحسن قصده، وصبره على الطّلبة، وإرشادهم ورفدهم بما يقدر عليه، وتأديبهم بالآداب الشّرعيّة، وانتفاعهم بحاله قبل مقاله، ثمّ طلبه أهل البصرة ليكون خطيبا وواعظا في جامع عزيز آغا فانتقل إليها، ودرّس ووعظ، وسلّك المريدين، وصار مرشدا لبلده، فسلك على يده خلق كثير من أهلها وأحبّوه غاية المحبّة، واعتقدوه إلى الغاية (١)، وهو أهل لذلك، وصار الغرباء الواردون إلى البصرة على كثرتهم واختلاف أجناسهم يحطّون رحالهم لديه، ويتضيّفون عنده مدّة إقامتهم قلّت أو كثرت، ومن أراد السّفر منهم زوّده من ماله، وأرسله إلى التّجّار فجمعوا له شيئا، ووصّى عليه أهل المراكب، أو أمراء القوافل، وكان الأمراء والتّجّار يفرحون بأدنى إشارة منه، وأخبرني بعض أصحابي. قال: كنّا بالبصرة جماعة من العامّة ونتكسّب بالبيع والشّراء قليلا فإذا قرب المغرب ذهبنا إلى مسجد الشّيخ المذكور وصلّينا معه المغرب فتمدّ السّفرة ويأكل الحاضرون ونحن من جملتهم مضى لنا على ذلك أشهر، ولا نشتري عشاء، وغيرنا مثلنا.
قال: وكان يعظ العامّة ويحثّهم على صلاة النّافلة في كلّ وقت، ولكلامه وقع في القلوب، وكان حسن النّغمة بالقراءة، شجيّ الصّوت،
(١) هذا من مخاريق الصوفية، ومضى التعليق على ذلك في الترجمة رقم ٥، ٣٧.