أبو عبيد بن حربويه، وأبو جعفر الإستراباذي من مقتضى نص الشافعي في القسامة على أنه إذا حلف أحد الابنين في القسامة، واستحق بأيمانه نصف الدية، وكان على المقتول دين، قضى جميعه من حصه الابن الحالف، فكذلك في هذه المسألة، وقد وافقهما على هذا التخريج بعض الأصحاب، وهو ابن سريج، كما قاله في ((البحر)).
قاله الماوردي قبيل باب الشاهدة على الشهادة: وعلى هذا لا يغرم المقر كل الدين حتى يحلف المنكر، فإذا حلف، غرم، وصار المقر خصمًا له ويحلفه- أيضًا- إن استدام على الإنكار، ولا يسقط عنه اليمين في حق المقر باليمين الأولى.
والثاني: يلزمه بقسطه، لأنه لو لزمه جميع الدين ما قبلت شهادته إذا كان عدلًا مع غيره، أو مع اليمين، لأنه يصير بالشهادة حينئذ دافعًا عن نفسه، وقد وافق الخصم- وهو أبو حنيفة- الشافعي، وجمهور الفقهاء على قبول شهادته بالدين على الميت، فدل على أنه لم يكن يلزمه بالإقرار إلا حصته.
ولأن إقراره كالشهادة، والدين كالعين، فلما استوى حال الشهادة في الدين والعين في إلزامه منه بقدر حصته، [وجب أن يستوي حال إقراره بالدين والعين في إلزامه منه بقدر حصته]، وهذا هو الأصح.
والمذكور في ((المختصر)) في كتاب الشهادات: الثاني، وفي جميع كتب الشافعي، كما قاله الماوردي، وعليه أكثر الأصحاب، وفرقوا بين ما نحن فيه وبين مسألة القسامة بأنه لم يحصل في مسألة القسامة من التركة إلا ما حلف عليه، وهو نصف الدية، فلذلك قضى جميع الدين منه، كما لو غضب بعض التركة، يقضي الدين من الباقي، وهاهنا التركة موجودة في يد الوارثين، فتعلق الدين بجميعها، ولزم المقر في حصته نصف ذلك.
وأيضًا: فإن الشافعي فرض مسألة القسامة في حالة اعتراف الابن بالدين، فإنه قال:((فإن أقسم الولي الآخر، قضى بالنصف الآخر، ثم رجع الأول عليه))، يعني: بنصف الدين، وهاهنا أحد الابنين جاحد للدين، فلو كان أحد الابنين ثم جاحد، لم يقض من الدين إلا بقدر حصة المقر.