للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضُرُّكَ أَنِّي لَا أَعْرِفُكَ فَاتِنِي بِمَنْ يَعْرِفُكَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: بِأَيِّ شَيءٍ تَعْرِفُهُ؟ فَقَالَ: بِالْعَدَالَةِ وَالفَضْلِ. فَقَالَ: هُوَ جَارُكَ الأَدْنَى تَعْرِفُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَمَدْخَلَهُ وَمَخْرَجَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَامَلَكَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ اللَّذَيْنِ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى الوَرَعِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَصَاحَبَكَ فِي السَّفَرِ الَّذِيْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَسْتَ تَعْرِفُهُ. ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ائْتِنِي بِمَنْ يَعْرِفُكَ"؛ فدل هذا من قوله وفعله على وجوب البحث.

ولأن الخصم- وهو أبو حنيفة- قد وافقنا على أنه لا يحكم في الحدود قبل البحث، وكذا في الأموال عند طلب الخصم، فيقول: إن كل عدالة شرطت في الشهادة لم يجز الحكم بها مع الجهالة؛ كالشهادة على الحدود. نعم، لو اعترف [الخصم] المشهود عليه بعدالة الشهود، وقال: إنهم زكوا في هذه الواقعة- فهل يحكم عليه قبل البحث؟ فيه وجهان، حكاهما المراوزة كذا، وحكاهما العراقيون فيما إذا قال: هم عدول، وإن لم يذكر أنهم زكوا:

أحدهما: يحكم؛ لأن ذلك معتبر لحقه؛ فسقط باعترافه.

والثاني: لا يحكم، وهو المختار في "المرشد"؛ لأن الحكم بشهادتهم حكم بتعديلهم، وذلك لا يجوز بقول الواحد، كذا قاله الماوردي، وتبعه في "المهذب"، ثم قال: ولأن اعتبار العدالة في الشاهد حق لله- تعالى- ولهذا لو رضي المشهود عليه بشهادة الفاسق لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادته.

وقد بان لك من التعليل الثاني أن محل الوجهين إذا جهل الحاكم فسقهم؛ فلو علمه لم يحكم بلا خلاف، وبه صرح الإمام.

فرع: إذا عدل الشاهد في شهادته، ثم شهد مرة أخرى فهل يجب إعادة استزكائه؟ قال الأصحاب: إن قصرت المدة فلا، وحكى القاضي الحسين عن الثقفي [من أصحابنا] أنه يحتاج إلى البحث وتجديد المسألة؛ لاحتمال أن يكون بينه وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>