للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أصحابنا: الشافعي – رضي الله عنه – فصّل [فقال]: إن كان بالإمام قوة تضبطهم لم أرَ بأساً أن يستعان بهم، وإن لم يكن به قوة فلا يستعين بهم. وذلك صحيح.

قال القاضي أبو الطيب: فإن قيل: اليس قد قلتم: إنه يجوز للحاكم أن يستخلف من يعتقد خلاف مذهبه، فيولي الشافعي مالكيًّا وحنفيًّا وغيرهما من أهل المذاهب؟

فالجواب: أن أصحابنا اختلفوا فيه على ما حكاه ابن أبي هريرة، وقال: قد نص الشافعي على المنع من ذلك، فقال: وهكذا من ولى شيئاً فينبغي ألا يوليه من يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه. فإن قلنا: لا يجوز، [سقط السؤال، وإن قلنا: يجوز] فالفرق: أن الحاكم يحكم باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وهذه الأحكام يسوغ فيها الاجتهاد، وليس كذلك قتل [أهل البغي مولِّين]، والجرحى والأسرى منهم؛ فإن ذلك لا يسوغ فيه الاجتهاد.

وقد ظهر لك بما ذكره الشيخ أن أهل البغي يخالفن أهل الحرب في أشياء [: في امتناع كبسهم في ديارهم غِرَّةً وبَياتاً، و] في امتناع قتلهم مدبرين، والتذفيف على جريحهم، وقتل أسيرهمن وعدم استرقاقه.

وفي عدم قتالهم بالمنجنيق والنار وما في معناهما، وعدم الاستعانة عليهم بمن ذكرناهم. ووراء ذلك أمور أخر، منها: أنه لا يجوز أن يحاصرهم ويمنعهم الطعام والشراب، إلا على رأي الإمام في أهل القلعة، ولا يجوز عقر خيولهم إذا قاتلوا عليها، ولا قطع أشجارهم وزرعهم، ولا الانتفاع بما يأخذه من أموالهم من مطعوم وغيره، وكذا من أسلحة وخيول، بل يحفظ لهم إلى انقضاء الحرب والأمن من قتالهم يعودهم إلى الطاعة أو تفريق شملهم، وهو وقت إطلاق الأسرى، اللهم إلا ان تقع ضرورة بألا يجد أحدنا ما يدفع به عن نس سوى سلاحهم، أو ما يركبه في وقت الهزيمة إلا خيولهم؛ فيجوز الاستعمال والركوب، كما يجوز أكل مال الغير للضرورة، وهذا بخلاف أهل الحرب، كما سيأتي بيانه، إن شاء الله – تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>