قال: وإن أسر منهم رجلاً حبسه على أن تنقضي الحرب، أي: ويتفرق جمعهم؛ لينكف شره. ولا يجوز قتله؛ لما رويناه من خبر ابن مسعود – رضي الله عنه – ولأن سيرة علي – كرّم الله وجهه – فيهم كانت هكذا، وعليها عَمِلَ المسلمون من بعده، وهذا بخلاف أهل الحرب؛ لأن المقصود ثَمَّ: قتلهم بقتالهم، وهاهنا المقصود بقتالهم –كما ذكرنا -: دفعهم عمَّا هم عليه، وقد حصل بالحبس.
قال الماوردي والمصنف: فلو قتل أسيراً منهم ضمنه القاتل بالدية، وفي ضمانه بالقود وجهان، وجه المنع: أن أبا حنيفة تخير قتله؛ فصار ذلك شبهة يدرأ بها القصاص، وهذا ما اختاره في "المرشد".
قال: ثم يخليه؛ لحصول الأمن منه.
قال: ويأخذ عليه العهد ألا يعود إلى قتاله، احتياطاً بحسب القدرة، وفي "تعليق" القاضي الحسين: أنه لا يطلقه إِلاَّ بعد مبايعته على الطاعة، [أي: قبل انقضاء الحرب]، وأن من أصحابنا من خص ما ذكرناه بما إذا أمنا بعد انقضاء الحرب رجوعهم إلى طاعة الإمام وذهاب شوكتهم، فأما ما دام يخاف شرهم فلا يلزمه إطلاقهم. والأول: هو المنصوص، فقال الإمام بعد حكاية الأول عن رواية العراقيين عن بعض الأصحاب: إن هذا [بعيد] لا أصل له.
ثم محل حبسه إلى أن تنقضي الحرب مصوَّرٌ بما إذا لم يذعن للمبايعة حال أسره، أما إذا أذعن لذلك، وأظهر الطاعة عند الأسر، وقبل انقضاء الحرب – يجب أن يخلي إذا كان حرًّا.
قال القاضي الحسين: والعبد يحبس إلى أن تنقضي الحرب؛ لأنه ليس من أهل المبايعة.
وفي "تعليق" البندنيجي و"المهذب": إلحاقه بالنساء جزماً، وهو ما حكاه الرافعي عن [بعض] الأصحاب وإن كان يقاتل، وسيأتي حكم النساء.
فرع: لا يجوز قتل من كف عن القتال من أهل البغي إذا كان واقفاً معهم في الصف؛ لأن القصد بقتاله الكف، وهو كافٌّ فصار كالأسير، وفي "الحاوي" وغيره وجه: أنه يجوز أن يعمد إلى قتله؛ لأنه رِدْءٌ لهم وعَوْن، فأجري عليه حكم مقاتليهم.