للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وإن حلف: لا يشرب ماء النهر، لم يحنث، أي: وإن شرب منه، وهو قول أكثر الأصحاب، ومنهم أبو إسحاق؛ لأن يمينه توجهت إلى شرب جميعه؛ لأنه عقدها على ماء النهر، ولم يطلق؛ فصار النهر مقداراً له كالإداوة.

قال القاضي أبو الطيب: وعلى هذا ينبغي أن يقال: لا تنعقد يمينه؛ كما لو حلف: لا يصعد السماء.

وقد حكى ابن يونس هذه المقالة عن القاضي الحسين، وفي هذا القياس نظر؛ لأنا قد حكينا أنها تنعقد على الأصح.

قال: وقيل: يحنث بشرب بعضه، وهو ما ذهب إليه ابن سريج وابن أبي هريرة؛ لأنه لما استحال شرب جميعه صارت اليمين معقودة على ما لا يستحيل؛ لأن تغير اليمين بعد العقد لا نراه؛ ألا تراه لو قال: والله لا شربت الماء، حنث بشرب ما قل منه، وإن كان دخول الألف واللام يقتضي استيعاب جميعه؛ لأنه لما كان شرب جميعه؛ لأنه لما كان شرب جميعه من المستحيل حمل على شرب ما لا يستحيل، كذلك ماء النهر.

وهذا أصل مطرد عبر عنه الإمام في كتاب الطلاق عند الكلام في الحيض بأن اللفظ إذا تردد على وجه يحتمل الاستحالة ويحتمل إمكاناً، فمن الأصحاب من لا يبعد الحمل على الاستحالة، ومنهم من يوجب الحمل على الإمكان، فمن الأصحاب من لا يبعد الحمل على الاستحالة، ومنهم من يوجب الحمل على الإمكان؛ حتى لا يلغو اللفظ؛ فإن التعرض للاستحالات يكاد أن يكون كالهزل. ومن هذا الأصل ما إذا قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق.

وأجاب من خالفهما عن ذلك بأن الألف واللام تستعمل لاستيعاب الجنس تارة، وللمعهود أخرى، وهو حقيقة فيهما، فإذا استحال استيعاب الجنس حمل على المعهود، وهو حقيقة فيه، [وفارق] "ماء النهر": [لأن] الاسم حقيقة في جميعه ومجاز في بعضه، ولا يصار إلى المجاز في الأيمان عند استحالة الحقيقة؛ ألا تراه لو حلف: لأصعدن السماء، وهو مستحيل – لم يحمل على صعود السقف، وقد يسمى: سماء؛ لأنه غير مستحيل، ووجب حمل اليمين في الصعود على الحقيقة دون المجاز؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>