ولو دخل الحالف دهليز دار أو صحنها أو صفتها، لم يحنث على الأظهر. وعن القاضي أبي الطيب: الميل إلى أنه يحنث، ولو [دخل] غرفة فوق البيت لم يحنث، حكاه البندنيجي.
قال: وإن حلف: لا يدخل بيتاً، فدخل مسجداً- لم يحنث؛ لأن البيت موضوع لما جعل للإيواء والسكنى، والمسجد لم يجعل لذلك، ولأنه لا ينطلق عليه اسم البيت إلا بنوع من التقييد؛ فلم تنصرف اليمين المطلقة إليه. وحكى المتولي وجهاً: أنه يحنث؛ لقوله- تعالى- {وَطَهِّرْ بَيْتِي}[الحج: ٢٦] وقوله- تعالى-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}[النور: ٣٦] ووجهه الإمام بأنه كان يحنث بدخوله قبل أن يجعل مسجداً، والتحبيس والصرف إلى جهة الخير لا يغير الاسم.
ويجري مثل هذا الخلاف فيما إذا دخل الكعبة. ولو دخل البيع والكنائ، وبيت الحمام، والغار في الجبل- لم يحنث؛ لما ذكرناه.
وفي "الرقم" للعبادي: أن ابن سريج خرج في الجميع لنفسه قولين. وفي "النهاية": أبدى ذلك من عند نفسه [قولين] فيما إذا دخل الحمام، واليبت الذي فيه الرحى.
واعلم أن الحنث بدخول الدار والبيت وغير ذلك مما حلف عليه، لا يحصل بإدخال يده أو رجله أو رأسه، ولا بإدخال رجليه وهو قاعد خارجها، وإنما يحصل إذا وضعهما في الدار، واعتمد عليهما، أو حصل في الدار متعلقاً بشيء، وكذلك في اليمين على الخروج.
قال: وإن حلف: لا يأكل هذه الحنطة، فجعلها دقيقاً أو سويقاً، أي: قلاها وطحنها، أو خبزاً، فأكله- لم يحنث؛ لأن اسم الحنطة قد زال، وكذلك صورتها؛ فزال تعلق الاسم بها؛ كما لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة، فزرعها وأكل حشيشها، أو: لا آكل هذه البيضة، فصارت فرخاً، فأكله- فإنه لا يحنث، وهذا بخلاف ما لو حلف: لا يأكل لحماً، فشواه؛ فإنه يحنث؛ فلأن اسم اللحم وصورته لم يزولا؛ كما أنه يحنث إذا أكل الحنطة المسلوقة.