قال: وإن حلف: لا يدخل بيتاً- أي: وأطلق- فدخل بيتاً من شعر أو أدم، حنث على ظاهر النص، أي: في "المختصر"- سواء كان الحالف بدويّاً أو حضرياً، قريباً من البادية أو بعيداً عنها، وهذا ما ذهب إليه أكثر المتأخرين على ما حكاه الماوردي، ووجهه- على ما قال أبو إسحاق-: أن بيت الشعر والخيمة يسمى بيتاً في البادية، وإذا ثبت للشيء [اسم عرف] في موضع ثبت له في جميع المواضع؛ كما لو حلف: لا يأكل الخبز، فأكل خبز الأرز؛ فإنه يحنث، وإن كان لا يتعارفه؛ لأنه ثبت له عرف في طبرستان.
قال البندنيجي: وهذا أصل لأبي إسحاق يستعمله في كثير من المواضع.
وقال غيره: إنما يحنث؛ لأن عرف الشرع قد ثبت بتسمية بيوت الشعر بيوتاً؛ قال الله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً}[النحل: ٨٠].
واعترض على ما قاله أبو إسحاق: بأن من حلف ببغداد أنه لا يركب دابة لا يحنث بركوب الحمار، وإن كان أهل مصر يسمونه دابة، ولو كان ثبوت العرف عند قوم يقتضي التعميم لحنث.
وأما مسألة الخبز فلم يكن الحنث فيها بهذا السبب، [بل] لأن المتخذ من الأرز يسمى خبزاً في جميع البلاد؛ لأن كل بلد يطلقون اسم الخبز على ما يخبزونه عندهم.
واعترض على ما قاله غيره بأنه لا يحنث بدخول المساجد- على ما سنذكره- مع أن الله- تعالى- سماها بيوتاً.
والتعليل الصحيح- على ما قاله أبو الطيب-: أن اسم "البيت" يقع على بيت الشعر والأدم حقيقة في اللغة؛ لأنه موضوع لكل ما جعل ليسكن فيه، وذلك جعل ليسكن فيه، وتسميته خيمة أو مِضْرَباً، إنما هو اسم نوع، وإذا كان كذلك حنث بدخوله؛ لأن اليمين تحمل على الحقائق.
فإن قيل: قد تركتم الحقيقة للعرف فيما إذا حلف: لا يأكل البيض، فأكل بيض السمك؛ فإنه لا يحنث، وفيما إذا حلف لا يأكل الرءوس، فأكل رءوس العصافير