والثالث: أنه مدح المتطهرين، والمدح إنما يكون على ما يفعله المرء، وقد ذكرنا أن انقطاع الدم ليس إليهن.
والرابع: أنه قرئ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بالتشديد، وهي تقتضي توقف إباحة القربات على فعل الطهرة بعد انقطاع دمهن.
وأما الثاني فجوابه- غير ما ذكرناه:- أن التطهر ورد في القرآن بمعنى الغسل؛ فحمل عليه، قال الله- تعالى-: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦] ووجهه فيما عدا المباشرة؛ لأن المنع منه لأجل الحدث، وهو باق.
وقد أفهم كلام الشيخ أن التيمم [لا] يقوم مقام الغسل في إباحة ما ذكرناه إذا وجد شرطه، ولا شك في أنه يقوم مقامه؛ ولذلك قال بعضهم: كان الأحسن أن يقول: "ويبقى سائر المحرمات إلى أن يتطهرن"؛ ليندرج فيه التيمم.
قلت: هذا قد دل عليه قوله: "يجب التيمم عن الأحداث كلها إذا عجز عن استعمال الماء"، فلم يكن به حاجة إليه، بل لو قال ذلك لكان صريحاً في أنها إذا عدمت الماء والتراب- يحرم عليها الصلاة، والمذهب وجوبها، كما سلف.
لكن لك أن تقول: الصلاة عند فقد الماء والتراب ليست بصلاة حقيقة؛ وإنما هي صورة صلاة؛ ولذلك يحرم عليها فيها قراءة القرآن، على رأي، ويجب إعادتها.
والمشهور في هذه الحالة: أنه لا يباح للزوج وطؤها، وبه جزم المتولي والقاضي الحسين والماوردي وحكى الرافعي وجهاً آخر: أنه يجوز كصلاة الفرض.
وهذا القائل يشبه أن يكون هو القائل بأنه يحتاج عند كل وطء إلى تيمم؛ كما يحتاج عند كل صلاة فرض إليه؛ كذا حكاه الماوردي وجهاً في المسألة.