قال الرافعي: وهذا لا يسلمه الأولون، بل صرحوا بزوال الملك عن الهدي المعين، والأضحية المعينة.
قلت: وهذا من الرافعي فيه نظر، لأن مراد الإمام: أن الأضحية بهذا التعيين، لم تخرج عن أن تكون مالاً في نفسها، كما لم تخرج العين الموقوفة بالوقف عن المالية؛ حتى إذا أتلفت، ضمنت ضمان الأموال، وتضمن بوضع اليد عليها، ويتصرف فيها الفقراء تصرف الملاك بالبيع، والهدية، وغيرهما، كما أن العين الموقوفة قد يطرأ عليها حالة يجوز مثل ذلك [فيها]، بخلاف العبد المعتق؛ فإنه بعد العتق غير مال، وحينئذ فما ذكره الرافعي [غير] وارد على الإمام.
وقد أشار القاضي الحسين في موضع إلى أن قوله:"هذه أضحية"، أو "جعلتها أضحية" لا يكفي على قول، ما لم يقل "لله"- بقوله: لو قال: "هذه أضحية"، أو "جعلتها أضحية"، ولم يقل:"لله"، فظاهر كلام الشافعي: أنه يلزمه؛ ولأجله قال في "التهذيب": إنه المذهب.
وأجرى المراوزة الخلاف المذكور في التعيين فيما إذا قال:"لله علي أن أتصدق بهذا الدرهم"، أو "أن أعتق هذا العبد، إن شفي [الله مريضي"]، لكن بالترتيب.
والتعين في التضحية أولى من تعين الدرهم؛ لتعلق الأغراض بالضحية دون الدرهم، وفي العتق أولى منه في الأضحية؛ لأن للعبد حظاً وحقاً في العتق، فإذا عينه للاستحقاق، ظهر وجوب الوفاء، والضحية لا حق لها في تعيينها.
ولو كان قد قال:"إن شفي الله مريضي، فلله علي أن أضحي بشاة"، ثم قال:"جعلت هذه الشاة عن نذري"، أو "لله علي أن أضحي بها عن نذري".
قال العراقيون: يتعين، بمعنى أنه يجب ذبحها، ولو تلفت، لم يسقط ما في ذمته؛ كما سنذكره مثله في الهدي في باب النذر وتفاريعه.
وحكى المراوزة في التعين وجهين أيضاً، وأن عدم التعين هنا أولى منه في الصورة السابقة؛ لأن الملتزم في الذمة دين، وتعيين الشاة للدين بمثابة جعل الدين عيناً، والدين لا يتعين إلا بالإيفاء، وليس التعيين إيفاء، وأنَّا إذا قلنا بالتعيّن، فلو تلفت، فهل يجب بدلها، أو لا يجب عليه شيء؟ كما لو قال:"جعلتها أضحية" فيه وجهان،