تصدق بجمبيعها لم يجز حتى يجمع بين الأكل والصدقة؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: ٢٨] فجمع بينهما، وأمر بهما؛ فدل على وجوبهما.
وعلى هذا: فالواجب من الأكل والصدقة: ما يقع عليه الاسم.
والثالث- وهو مذهب الشافعي، وما عليه أصحابه-: أن الأكل مستحب؛ لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: ٣٦] فجعلها لنا، ولم يجعلها علينا؛ فدلَّ على أن أكلنا منها مباح، وليس بواجب؛ لأن الإنسان مخير فيها بين الاستبقاء والإسقاط.
ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله تعالى؛ فلم يكن الأكل منها واجباً؛ كالعقيقة.
ولأن الصدقة واجبة؛ لأنها المقصودة، وجمعه تعالى بين الأكل والصدقة بالأمر لا يدل على استوائهما في الحكم؛ كما في قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: ١٤١]، وقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ} [النور: ٣٣].
وقال الغزالي: إن التصدق بالكل أحسن على كل قول. وهو متبع فيه الإمام؛ فإنه قال: إن ذلك لا شك فيه غير أن شعار الصالحين الأكل منها.
ثم الذي يسقط الواجب: ما يقع عليه الاسم أيضاً.
قال في "الحاوي": وهو ما يخرج عن القدر التافه إلى ما جرى العرف أن يتصدق به منها من القليل الذي يؤدي الاجتهاد إليه.
ومن هنا يظهر لك: أنه لا يجب صرفها إلى عدد، بل يكفي الصرف إلى مسكين واحد؛ كما صرح به الإمام؛ لأنَّا لا نرى في الشرع لذكر الجمع في هذا الباب أصلاً، ويجب فيه التمليك، ولا يكفي فيه الإطعام؛ كما في الكفارات، ولا يكفي التصدق بالجلد على الظاهر؛ كما قاله صاحب "التقريب".
قال الإمام: وهو حسنُ، وفيه احتمال؛ كما ردد جوابه فيه.
قلت: التردد فيه يشبه أن يكون مأخذه: أن له الانفراد به على قول وجوب التصدق، أم لا بد من التصدق منه أيضاً؟ وفيه وجهان:
فإن قلنا: ليس له الانفراد به، فلا يجزئ، وإن قلنا: له الانفراد به فيجوز أن يقال: إنما كان ذلك لجعله كالجزء؛ فيكفي هنا.