قال الإمام: وهذا كلام مخلط، وقد نص الأئمة في الطرق على جواز التحلل، سواء كان الأعداء مسلمين أو مشركين؛ فإن الحجيج يكونون على أهبة القتال في أغلب الأحوال؛ فلا يجب القتال لذلك، وقد لا يسوغ إذا منعنا الاستقلال كما سيأتي في كتاب الجهاد.
فإن كان الحجيج متأهبين للقتال، وقد صدمهم الكفار، فلا فرار إذا تجمعت الشرائط المعتبرة في تحريم الفرار، فإذا تعين الاشتغال بالقتال، فلا معنى للانصراف، ولا سبيل إلى التحلل إذا امتنع الانصراف؛ ولأجل ذلك قال في "الوسيط": إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف، تعين القتال إن كان معهم أهبته، ولا يجوز التحلل.
قلت: لكن كلام الإمام مخصوص بحالة الالتقاء؛ لأنها الحالة التي لا يجوز فيها الفرار وما قاله الغزالي لا يقتضي التخصيص بذلك، بل هو جامع لما قاله الفوراني، وبعض ما قاله الإمام، وكلام الإمام لا يخالف ما ذكره العراقيون، فإنهم استدلوا لعدم وجوب القتال- كما نص عليه الشافعي- بقوله: كما قال ابن الصباغ والماوردي: إن قتال المشركين لا يجب إلا أن يبدءوا بالقتال، أو يستنفر به أهل الثغور إلى قتالهم؛ ولهذا لم يقاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، والله أعلم.
ثم قال العراقيون: إذا قدر المحصر على زوال المنع ببذل مال، فإن كان المانع من الكفار، كان بذله مكروهاً؛ لأن فيه وَهَناً للإسلام من غير ضرورة، وإن كان من المسلمين، جاز بذله من غير كراهة.
وإن قدر على زوال الحصر بالقتال، فإن كان المانع من المسلمين، فالتحلل أفضل من قتاله؛ لأنه ربما أفضى إلى القتل، والتحلل أخف منه، وقد وافقهم المراوزة على ذلك.
وإن كان من الكفار: فإن كان فيهم قوة، وفي المسلمين ضعف، فالترك أولى كي لا يكون وَهَناً للإسلام.
وإن كان في المسلمين قوة، وفي الكفار ضعف، فالقتال أولى؛ للجمع بين إتمام النسك، ونصرة الدين؛ وحينئذ إن احتاجوا في القتال إلى لبس الدروع والبيض، لبسوا وافتدوا؛ كما لو لبس لحر أو برد.