للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خلاف أنهم لو غلطوا في المكان، فوقفوا في غير عرفة، لا يجزئهم، لبعد مثل ذلك، والله أعلم.

قال: ومن أحصره أي: منعه من المضي لإتمام نسكه عدو، وهو محرم، ولم يكن له طريق غيره ذبح هدياً، أي: وأقله شاة تجزئ في الأضحية؛ كما قال الماوردي وغيره، وتحلل؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦].

وإنما قلنا: إن معناها كذلك؛ لأن مجرد الإحصار لا يوجب الهدي؛ فتعين الإضمار، وأضمرنا ما قلناه؛ لدلالة ما بعده عليه، وهو قوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦].

قال الشافعي: ولا خلاف بين أهل التفسير: أنها نزلت بالحديبية، حين أحصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحال المشركون بينه وبين البيت، فنحر، ثم حلق، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حلال، ولم يرجع إلى البيت الحرام هو ولا أصحابه غير عثمان بن عفان.

وقد روي أنه عليه السلام قال لأصحابه بالحديبية لما صدوا "قوموا ثم انحروا، ثم احلفوا".

وروى مالك عن أبي الزبير عن جابر قال: أحصرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، فنحرنا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.

ووجه الدلالة من ذلك أن إحرامه - صلى الله عليه وسلم - كان حين صُدَّ بالحديبية بعمرة.

وإذا جاز التحلل منها فمن الحج أولى، وقد وافق الخصم عليه.

وإنما قلنا يجوز التحلل من العمرة وإن لم يخش فواتها؛ لإجماعهم على أنه لا يجوز إخراج سبب النزول من اللفظ، وإن قلنا: العبرة بعموم اللفظ؛ لأن فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ولأنَّا لو لم نجوز له التحلل، وأوجبنا عليه أن يقيم على إحرامه حتى يأتي بالأعمال أدى ذلك إلى إلحاق المشقة به؛ لأن الحصر قد [لا يزول إلا] بعد سنين كثيرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>