وإن حضر الخطبة عدد كثير، وكان كل منهم بحيث يسمع، فهو محل القولين في جواز التكلم.
ووجه الوجوب: أنا لو جوزنا لكل واحد أن يتكلم؛ تعويلاً على أنه يبقى أربعون غيره، لجرَّ ذلك جواز الكلام للكل؛ ولأجل ذلك قال الغزالي: ففي وجوب الإنصات وترك الكلام على من عدا الأربعين قولان. فأفهم [أن] الخلاف فيمن جاوز الأربعين، وأنه يجب الإنصات وترك الكلام على أربعين قولاً واحداً.
وقال الرافعي: إنه بعيد في نفسه، ومخالف لما نقله الأصحاب:
أما بعده في نفسه: فلأن الكلام في السامعين للخطبة؛ ألا تراه يقول بعد ذلك: في وجوبه على من لا يسمع الخطبة وجهان؟! وإذا حضر جمع زائد على الأربعين، وهم بصفة الكمال؛ فلا يقال بأن الجمعة تنعقد بأربعين منهم على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعاً، والتردد في حق الآخرين؛ بل الوجه: الحكم بانعقاد الجمعة بهم وبأربعين منهم لا على التعيين.
وأما مخالفته لنقل الأصحاب؛ فلأنك لا تجد إلا إطلاق القولين في السامعين، ووجهين في غيرهم.
قلت: ولاشك في أن ظاهر كلام الغزالي وإن اقتضى أن الأربعين الذين يجب عليهم الإنصات معينون، فمراده: أربعون لا على التعيين، وحقيقته ترجع إلى الواحد من الحاضرين؛ إن غلب على ظنه استماع أربعين فأكثر الخطبة، جاء في جواز الكلام له القولان.
ومع هذا ينتفي الاعتراض من هذه الجهة.
وقد قال الإمام بعد تقرير ما ذكرناه عنه: إن هذا يضاهي ما لو تحمّل جماعةٌ شهادةً وكان الحق يثبت بشاهدين، فإذا طالب ذو الحق واحداً منهم بإقامة الشهادة، ففي جواز امتناعه عن إقامة الشهادة- تعويلاً على أن الغرض يحصل بغيره- خلاف، ولكن الأظهر في الشهادة تعين المدعو، والمنصوص عليه في