وقد روى جابر أن ابن مسعود جلس إلى أبي بن كعب والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فكلمه، فلم يجبه، وظن أنه غير مؤاخذ به، فلما فرغوا قال: ما حملك على ذلك؟ فقال: إنك تكلمت والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب؛ فلا جمعة لك. فأتى ابن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال "صدق أبي"، أو قال:"أطع أبيّاً".
والمراد: لا جمعة لك كاملة؛ إذ لم ينقل أنه- عليه السلام- أمر ابن مسعود بإعادة الصلاة.
وقد حكى الرافعي عن العراقيين: أنهم حكوا عن رواية أبي إسحاق طريقة قطعة بهذا القول، وأنه أول كلامه في الجديد.
وإذا قلنا به، فكما يحرم الكلام تحرم الصلاة أيضاً؛ صرح به القاضي أبو الطيب والمتولي.
وبنى الصيدلاني والقاضي الحسين الخلاف في المسألة على أن الخطبتين بدل عن الركعتين أم لا؟ كما جعلا هذا الأصل أصلاً لاشتراط الطهارة في الصلاة.
قال الإمام:"ويبعد عندي اشترط الطهارة في سامعي الخطبة"؛ وهذا منه يدل على أن الخلاف في اشتراط الطهارة في السامعين، ولم أره إلا في "الإمام".
وحكى المراوزة وجهاً في عدم وجوب الإنصات على من لم يسمع الخطبة؛ فلا يأثم بالكلام؛ لأنهم حكوا القولين فيمن يسمع، وقالوا فيمن لا يسمع: هل يجب عليه إذا قلنا: يجب على السامع؟ فيه وجهان، وهي طريقة حكاها القاضي الحسين مع الطريقة الأولى.