للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ابن حزم (١) الظاهري رحمه الله تعالى، فقد بدى في كتابه المحلى متعجباً، ممن أجاز النكاح بنية الطلاق، قائلاً: والعجب أن المخالفين لنا يقولون فيمن تزوج امرأة وفي نيته ألا يمسكها إلا شهراً، ثم يطلقها، إلا أنه لم يذكر ذلك في عقد النكاح، فإنه نكاح صحيح لا دخلة فيه، وهو مخير، إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها؛ وأنه لو ذكر ذلك في نفس العقد، لكان عقداً فاسداً، مفسوخاً، فأي فرق بين ما أجازوه، وبين ما منعوا منه. (٢)

وكأنه رحمه الله يومئ إلى أن النية المضمرة، كالشرط المتلفظ به في العقد، سواءً بسواء، كمذهب الحنابلة.

وأما من منعه من المتأخرين، فمنهم الشيخ محمد رشيد رضا (٣)

ـ رحمه الله تعالى ـ فقد تكلم كلاماً رصيناً فقال: إن تشديد علماء السلف والخلف، في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان بعض الفقهاء يقولون أن عقد النكاح يكون صحيحاُ، إذا نوى الزوج التوقيت، ولم يشترطه في صيغة العقد؛ ولكن كتمانه إياه خداعٌ وغش، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت، الذي يكون بالتراضي بين الزوج، والمرأة، ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة، التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مرتع الشهوات، بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات؛ وما لا يشترط فيه ذلك، يكون في اشتماله على ذلك غشاً وخداعاً، تترتب عليه


(١) (هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، القرطبي، اليزيدي، نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاءً مفرطاً، وذهناً سيالاً، وكتباً نفيسة كثيرة، من مصنفاته: المحلى، والتوحيد في إثبات الصفات، والإيصال إلى فهم كتاب الخصال، قيل أن مؤلفاته بلغت أربع مائه مجلد، ولد بقرطبة سنة ٣٨٤ هـ، وتوفي سنة ٤٥٦ هـ. انظر سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٨٤، وما بعدها. لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى ٧٤٨ هـ، ط، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع ١٤٠٩ هـ ١٩٨٨ م.
(٢) (المحلى، تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، المتوفى سنة ٤٥٦ هـ، ط، دار الفكر. ١٠/ ١٨٣
(٣) هو محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني، البغدادي الاصل، الحسيني النسب: صاحب مجلة (المنار) وأحد رجال الاصلاح الاسلامي. من الكتاب، العلماء بالحديث والادب والتاريخ والتفسير. ولد ونشأ في القلمون (من أعمال طرابلس الشام) وتعلم فيها وفي طرابلس. وتنسك، ونظم الشعر في صباه، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر سنة ١٣١٥ هـ، فلازم الشيخ محمد عبده وتتلمذ له.

وكان قد اتصل به قبل ذلك في بيروت. ثم أصدر مجلة (المنار) لبث آرائه في الاصلاح الديني والاجتماعي. وأصبح مرجع الفتيا، في التأليف بين الشريعة والاوضاع العصرية الجديدة. ولما أعلن الدستور العثماني (سنة ١٣٢٦ هـ) زار بلاد الشام، واعترضه في دمشق، وهو يخطب على منبر الجامع الاموي، أحد أعداء الاصلاح، فكانت فتنة، عاد على أثرها إلى مصر. وأنشأ مدرسة (الدعوة والارشاد) ثم قصد سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتخب رئيسا للمؤتمر السوري، فيها. وغادرها على أثر دخول الفرنسيين إليها (سنة ١٩٢٠ م) فأقام في وطنه الثاني (مصر) مدة. ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوربا. وعاد، فاستقر بمصر إلى أن توفي فجأة في (سيارة) كان راجعا بها من السويس إلى القاهرة. ودفن بالقاهرة. أشهر آثاره مجلة (المنار) أصدر منها ٣٤ مجلدا، و (تفسير القرآن الكريم - ط) اثنا عشر مجلدا منه، ولم يكمله، و (تاريخ * (هامش ١) * (١) معجم الشيوخ ١: ٩١ - ٩٣ والنهضة العلمية - خ. لابن زيدان، وإتحاف المطالع - خ. لابن سودة. انظر الأعلام ٦/ ١٢٦، لخير الدين الزركلي، ط، دار العلم للملايين، بيروت لبنان، الطبعة السادسة، تأريخ الطبع ١٩٨٤ م.

<<  <   >  >>