بعد هذا العرض الموجز لأدلة الفريقين، وأهم ما يمكن أن يتكئ عليه القولان من أدلة، يمكننا أن نلحظ ما يلي:
أولاً: أن المسألة لا نص فيها، وأنها خاضعة للإجتهاد بحسب ما يراه الفقيه المجتهد، من تحقيق المصالح، أو دفع المفاسد، التي جاءت لأجلها الشريعة.
ثانياُ: إن الفقهاء قد اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال، فمن قائل بالجواز وهم الجمهور، ومن قائل بالجواز مع الكراهة وهم الشافعية، وابن تيمية في رأي له، ومن قائل بالتحريم، وهم الإمام الأوزاعي، والحنابلة, وعلى رأسهم إمام المذهب أحمد بن حنبل، وابن حزم الظاهري، ومن المتأخرين محمد رشيد رضا، ولجنة الإفتاء في السعودية.
ثالثاً: إننا إذا أردنا الخروج برؤية واضحة حول شرعية هذا النكاح من عدمها، فإنه لابد من معرفة واقعنا اليوم، وأحوال مَن يعيشون فيه، وما يتوافق مع قصد الشارع، من تحقيق المصالح، ودفع المفاسد للمكلفين، وخاصة أن المسألة خاضعة للاجتهاد.
رابعاً: يمكن ترجيح قول المانعين، وذلك لقوة أدلتهم، وللاعتبارات التالية:
(١) أن النكاح بنية الطلاق اكتملت أركانه وشروطه، وهي ما يعبر عنها بالأسباب الشرعية، ولكن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني كما بينا، وإنما نصب الشارع هذه الأسباب، لتكون دليلاً على المعاني والنيات التي لا يُستطاع الكشف عنها، وجعلها معرفة لها، وأناط الحكم بها، ولكن في حالة ظهور هذه المعاني والمقاصد، فأن الاعتبار يكون لها، دون الأسباب، برهان ذلك، أن صور الأسباب لا تتناسب مع الأحكام، وإنما المناسب ما تتضمنه تلك الأسباب، وحيث اعتبرنا الأسباب دون مضمونها، فذلك لتعذر الوقوف والاطلاع على مضمونها، وإلا فمتى أمكن الاطلاع على مضمون السبب، فهو المعتبر، لا صورة السبب. (١) قال ابن القيم: وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ ولم يراع المقاصد والمعاني إلا كمثل رجل قيل له لا تسلم على صاحب بدعة فقبل يده ورجله ولم يسلم عليه، أو قيل له اذهب فاملأ هذه الجرة، فذهب فملأها ثم تركها على الحوض وقال لم تقل ايتني بها، وكمن قال
(١) انظر تخريج الفروع على الأصول ٢٦٢، ٢٦٣، للإمام أبي المناقب شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفى ... سنة ٦٥٦ هـ حققه وقدم له وعلق حواشيه د/ محمد أديب صالح استاذ ورئيس قسم القرآن والسنة بجامعة دمشق سابقاً ورئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام، ط جامعة دمشق.