للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا عاقب أصحاب الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى إسقاط نصيب المساكين، ولهذا لعن اليهود لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله، ولم يعصمهم التوصل إلى ذلك بصورة البيع، وأيضا فإن اليهود لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم، وتنتقل إلى اسم الودك، فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك. (١)

والحيلة محرمة شرعاَ، في الكتاب والسنة، فكل حكم عمل بالحيلة، في طلاق أو خلع، أو بيع، أو شراء، فهو مردود مذموم، عند العلماء الربانيين، والفقهاء الديانيين (٢). فإن هذا الناكح الذي يضمر نية الطلاق، غرضه وقصده، المتعة، وقضاء الوطر، ولما كان الشرع لا يوافقه على ذلك، كما أن الناس، لا يرضونه لبناتهم، (إذا ما أعلن ما كتم، وأظهر ما أسر) احتال فكتم الطلاق، وأظهر خلاف ما أبطن، ليلبس عقد زواجه ثوب الشرعية، ويرضى به الأولياء زوجاً لمولياتهم، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقد ذم الله المستهزئين بآياته، والمتكلم بالأقوال التي جعل الشارع لها حقائق، ومقاصد، مثل كلمة الإيمان، وكلمة الله تعالى التي يستحل بها الفروج، ومثل العهود والمواثيق التي بين المتعاقدين، وهو لا يريد بها حقائقها، المقومة لها، ولا مقاصدها، التي جعلت هذه الألفاظ محصلة لها ... ومقصوده به ما حرمه الله تعالى ورسوله، فهو ممن اتخذ آيات الله هزواً". (٣) فالنكاح السياحي (بنية الطلاق) نوع من أنواع الحيل، التي يتوصل بها إلى ما حرمه الله تعالى، بطريق ظاهره الشرعية، ورحم الله ابن القيم حيث يقول أيضاً: والمقصود أن أهل المكر والحيل المحرمة، يخرجون الباطل، في القوالب الشرعية، ويأتون بصور العقود، دون حقائقها، ومقاصدها. (٤) فالله المستعان، ، ،


(١) انظر إعلام الموقعين ٣/ ١١١.
(٢) إبطال الحيل، تصنيف الإمام أبي عبد الله بن محمد بن بطه العكبري الحنبلي، المولود سنة ٣٠٤ هـ والمتوفى سنة ٣٨٧ هـ، بتحقيق وتعليق د/ سليمان بن عبد الله العمير، الأستاذ المساعد بكلية الشريعة في الجامعة الإسلامية، ط /مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، بتأريخ ١٤١٧ هـ ١٩٩٦ م. صـ ١٢٠.
(٣) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٣٣٧.
(٤) المصدر السابق ٤٥٧.

<<  <   >  >>