للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وهم في الحديث من زعم أنَّ ما ابتدعه الخلفاء الأربعة فهو سنة، ولذا قالوا: جماعة التراويح سنة؛ لأنه قد سنها عمر أحد الخلفاء، فهي داخلة تحت الحديث وهو غلط، فإن عمر - رضي الله عنه - صرح بأنها بدعة (١) كما يأتي إن شاء الله في قيام رمضان.

وأما قوله: "ونعمة البدعة" (٢) فهي دعوى منه، وإلا فما في البدع ما يمدح، ولو كان ما فعلوه سنة كسنته - صلى الله عليه وسلم - لما خالفهم الصحابة، فإنهم خالفوا عمر في نهيه عن متعة الحج، فتمنعوا وخالف علي - عليه السلام - عثمان في متعة القرآن، فأهلَّ بها، وقال: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وبالجملة فلا يدعي أن ما سنوه كسنته - صلى الله عليه وسلم - إلا جاهل، ولذا حذر بعد ذلك من محدثات الأمور فهو احتراز عن وهم أن للخلفاء سنة يشتغلون بها، بل كل ما خالف سنته - صلى الله عليه وسلم - فهو من محدثات الأمور التي هي بدع وهي ضلالات، فلله در الكلام النبوي ما أشرفه وأوفاه وأسلمه عن الاشتباه.

ويحتمل: أن يراد سنتهم سيرتهم في الرعية، وقسمتهم بالسوية، وتقيدهم للشريعة النبوية في كل مسألة ظاهرة وخفية.


(١) تقدم الرد على هذه الشبهة عند شرح وتحقيق الحديث رقم (٥٥/ ٣) من كتابنا هذا: الرد على الشبهة الثانية.
(٢) قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص ٢٧٥ - ٢٧٧) ط: "المعرفة": وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية.
قلت: لما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن قيام رمضان مشروع، والصلاة جماعة مشروعة وإنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الحضور في الليلة الرابعة مخافة أن تفرض على المسلمين، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطع الوحي أمن ما خاف منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، وبهذا تعلم أن مفهوم البدعة لا ينطبق على فعل عمر - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>