واحدة ما خلق الله سواها؛ وإن كان يقصد المجاز؛ فليذكر ما يدل عليه ويصرف الفكر إليه، وما كل سامع للنشيد أو تالٍ يستطيع أن يجد له التأويل، هذا إذا كان لهذا الكلام العجيب تخريج أو تأويل.
وأعجب العجب، وأقبح القبح، أن يعود بعد كل ما مر، فيجعلها سماء لم ينزل بها فيجعلها كالسماء، وهذا ضدّ ما عليه البلغاء في كل عصر، وفي كل أمة، ولا أحسب ذوقاً في الدنيا يسيغه، عدِّ عن هذا الحشو في كلمة (لعمرك) وعمر من هذا الذي يحلف به؟ ولمن هذا الخطاب؟ والمفروض في النشيد كما بينت أن ينطق به الشعب كله؟!
وما هو مغزى هذا كله، وما دلالته، وأي مجد للشام يذكر، وأي عاطفة تثير؟ لا شيء، إلا هذه المناقشة المزعجة في الشام: هل هي بروج العلاء تشابه السماء برفيع الارتفاع؟ أم هي أرض ولكن زهت بالشموس!؟ أم هي سماء (وحياة عمرك ...) أم هي كالسماء؟ هذه هي المشكلة الوطنية الكبرى، ملأ النشيد بذكرها، وهذه هي آمال الوطن ومطامحه، والله المستعان!
...
وباقي النشيد لا يختلف كثيراً عما ذكرت منه، على حين أن النشيد يجب أن يكون موضوعاً على لسان الشعب، وأن يكون قويّ العبارة، خالياً من الحشو، واضحاً كل الوضوح، صالحاً لكل زمان، معبراً عن آمال الشعب وآلامه ومطامحه، مثيراً نخوته وحماسته، مشيراً إلى ماضيه، وجمال أرضه ودياره، إلى غير ذلك مما يوصل إلى الغاية من وضع النشيد، وهي إثارة العزة الوطنية في النفوس، وأن يختار له النغم القويّ من غير خشونة، العاطفي بلا ضعف. وحياة النشيد بلحنه وما يهز هذا اللحن من أوتار القلوب، ويحرك من أعصاب السامعين، فإذا كان لنا نشيد يشتمل على هذا كله ... وإلا فلا تقولوا: لنا نشيد (١)!!
...
(١) ناظم النشيد هو أستاذنا خليل مردم بك رحمه الله، وهو شاعر بليغ، رفيع المقام، فاضل الأخلاق. وابنه الأستاذ عدنان شاعر كبير. وملحن النشيد أستاذنا مصطفى الصوَّاف.