ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الأَصْلِ بأَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بوصفٍ آخرَ، كَقَوْلِنَا فِي بيعِ الغَائبِ، مبيعٌ غَيْرُ مرئيٍّ فَلاَ يصِحُّ كَالطيرِ فِي الهوَاءِ بجَامعِ عدمِ الرّؤيةِ، فَيَقُولُ الخَصْمُ: لاَ أَثرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مرئيٍّ؛ فإِنَّ العجزَ عَنِ التّسليمِ كَافٍ فِي البطلانِ.
وحَاصلُ هذَا معَارضةٌ فِي الأَصْلِ؛ أَي؛ بإِبدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى، وهي العَجْزُ عَنِ التّسليمِ، ولذلك بنَاه البَيْضَاوِيُّ علَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فإِنْ قُلْنَا بجَوَازِهِ لَمْ يَقْدَحْ وإِلاَّ قَدَحَ.
ص: وفِي الحُكْمِ، وهو أَضربُ؛ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كقولِهم فِي المُرْتَدِّينَ: مُشْرِكُونَ أَتلَفُوا مَالاً فِي دَارِ الحرب فَلاَ ضمَانَ كَالحربيِّ، ودَارِ الحربِ عندهم طرديٌّ فَلاَ فَائِدَةَ لذِكْرِهِ، إِذْ مَنْ أَوْجَبَ الضّمَانَ أَوْجَبَهُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَارِ الحَرْبِ، وكذَا من نفَاهُ، فَيَرْجِعُ إِلَى الأَوَّل؛ لأَنَّهُ يُطَالِبُ بتأَثيرِ كَوْنهِ فِي دَارِ الحربِ، أَو يَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ ضروريَّةٌ كقولِ معتبرِ العددِ فِي الاستجمَارِ بِالأَحجَارِ: عبَادَةً مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحجَارِ لَمْ يتقدَّمْهَا معصيةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا العددُ كَالجِمَارِ، فقولُه: (لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةًٌ) عديمُ التّأَثيرِ فِي الأَصْلِ وَالفَرْعِ، لكنَّهُ مضطَّرٌ إِلَى ذِكْرِهِ لِئَلَّا ينتقِضُ بِالرجمِ ـ أَو غيرُ ضروريَّةٍ فإِن لَمْ تُغْتَفَرِ الضّروريَّة لَمْ تُغْتَفَرِ، وإِلاَّ فتردَّدْ+، مثَالُه الجمعةُ: صلاَةٌ مفروضةٌ فلم تفتقرْ إِلَى إِذنِ/ (١٨٣/أَ/م) الإِمَامِ كَالظُّّهْرِ، فإِنَّ (مفروضةً) حشوٌ إِذ لو حُذِفَ لَمْ يُنْتَقَضْ بشيءٍ لكنْ ذُكِرَ لتقريبِ الفَرْعِ مِنَ الأَصْلِ بتقويةِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا إِذِ الفرضُ/ (١٤٩/أَ/د) بِالفرضِ أَشبَهُ.
ش: القِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الحُكْمِ، وقسَّمَهُ المُصَنِّفُ ثلاَثةَ أَقسَامٍ؛ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ لذِكْرِهِ فَائِدَةٌ أَصلاً، أَو لَهُ فَائِدَةٌ ضروريَّةٌ أَو غَيْرُ ضروريَّةٍ، وَمَعَ كونِهَا ضروريَّةً لاَ تَأْثِيرَ له فِي الحُكْمِ، وفَهْمُ أَمثلةِ ذَلِكَ مِنَ الأَصْلِ وَاضحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute