للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسمونه شاذاً; لأنهم فسروا الشذوذ المشترط نفيه هنا بمخالفة الراوي في روايته من هو أرجح منه، عند تعسر الجمع بين الروايتين، ووافقهم الشافعي على التفسير المذكور، بل صرح بأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، أي: لأن تطرق السهو إليه أقرب من تطرقه إلى العدد الكثير، وحينئذ فرَدُّ قول الجماعة بقول الواحد بعيد" (١)، فمخالفة الثقة لغيره من الثقات في الغالب تكون قرينة الغلط والوهم إلا إن دلت القرائن على قبولها (٢)،


(١) السخاوي، فتح المغيث، ١/ ٣٠.
(٢) حالات يقبل فيها العلماء رواية الثقة، وإن خالف من هو أوثق منه: (لكنها ليست مطّردة دائماً)
١ - ... أن يكون الراوي من أثبت الناس في الشيخ المختلف عليه، فتُقبل روايته - في الجملة- وإن خالف أكثر منه عدداً أو وصفاً.
٢ - ... أن يكون المخالِف من الأئمة المشاهير.
٣ - ... أن يأتي راوٍ آخر-غير الثقة المخالِف، وغير الجماعة الذين خالفوه- فيروي الحديث على الوجهين.
٤ - ... أن يكون الشيخ المختلف عليه مُكثراً واسع الرواية، فيمكن أن يُحمل الحديث على ما رواه الفرد والجماعة.
٥ - ... أن يكون لهذا المخالِف رواية أخرى يوافق فيها رواية الجماعة الذين خالفهم، فيدل على أنه عنده ما عندهم، بل عنده زيادة علم ليست عندهم.
٦ - ... أن يكون المخالِف من الصحابة، فإن زيادة الصحابة على غيره من الصحابة مقبولة باتفاق المحدثين.
٧ - ... أن يكون المخالِف صاحب كتاب، وحدّث من كتابه، ومن خالفه ليس كذلك.
٨ - ... إذا احتفّ حديث المخالِف بقرائن خارجية تدل على أن الحديث محفوظ، كأن يروي مع الحديث قصة.
٩ - ... إذا روى الجماعة عن مدلِّس بالعنعنة، ورواه عنه واحد فصرّح في رواية المدلس بالسماع من واسطة عن شيخه في رواية الجماعة أو الأوثق، قُبلت رواية الواحد.
١٠ - ... إذا كان الإسناد يدور على راوٍ، وقد عُرف بأن هذا الراوي إذا شك في الحديث نقص منه، وروى عنه جماعة أو الأحفظ الحديث ناقصاً، ورواه واحد عنه تاماً، فقد يُحمل الحديث على الوجهين. ينظر: السليماني، الجواهر السليمانية، ٣٠٤ - ٣٠٦ باختصار. مع تأكيد المؤلف إلى أن: كون معظم هذه الحالات غير مطردة بل تخضع لنظر نقاد الحديث حسب القرائن المحتفة بالرواية،
وينظر كذلك: رد الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- بخصوص قرائن الترجيح -ضمن إجابته على سبب اختلاف مذاهب العلماء في زيادة الثقة - فقال: "وهكذا إذا وجدت زيادة ثقة ولم تجد للعلماء المتقدمين فيها كلامًا لا تصحيحًا ولا تضعيفًا ترجع إلى تعريف الإمام الشافعي في الشاذ، أن الشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وتقارن بين الصفات وبين العدد، فربّ شخص يعدل خمسة، فلا تقارن بين العدد فقط.
مثل يحيى بن سعيد القطان، أو سفيان بن سعيد الثوري لو خالفه اثنان أو ثلاثة ممكن أن تجعل الحديث مرويًّا على الوجهين، وقد قال الدارقطني في "التتبع" بعد أن ذكر جماعةً خالفوا يحيى بن سعيد القطان يرويه عن عبيدالله عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، وجماعة يروونه عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة.
فيحيى بن سعيد تفرد بزيادة عن أبيه. ثم بعد أن ذكر الدارقطني الجمع الكثير الذين يخالفون يحيى ابن سعيد قال: ولعل الحديث روي على الوجهين، فقد هاب الدارقطني أن يقول: إن يحيى بن سعيد شاذ.
إذا تساوت الصفتان يحمل على أن الحديث روي على الوجهين وأنصح أن يرجع إلى ما ذكره الحافظ ابن رجب في شرحه "علل الحديث للترمذي" و"توضيح الأفكار" للصنعاني وما كتبته في "الإلزامات والتتبع". الوادعي، المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح، ١٥٠ - ١٥١.

<<  <   >  >>