وأوسع ما يكون التناقض في هذه المسألة - مع خفاء فيه - أن يلفق الباحث بين القولين عند التطبيق، وذلك بأن يبحث عن كلام الأئمة في سماع راوٍ من آخر، فإذا وجد قولاً لإمام بنفي السماع أعمله، وإن لم يجد لجأ إلى قول مسلم فطبقه، مع أن نفي الإمام للسماع قد يكون بناه على عدم وجود السماع، فهو متصل على رأي مسلم، وتطبيقه لرأي مسلم فيما إذا لم يجد نفياً للسماع يناقض أخذه بقول ذلك الإمام الذي نفى السماع لكونه لم يرد، مع أنه ممكن.
ومع أن هذا الصنيع أسلم في النهاية، إذ هو تطبيق للرأي الراجح - رأي الجمهور - على عدد غير قليل من الروايات، وفيه أيضاً احترام لأقوال أئمة النقد، وتسليم لهم، وبعد عن معارضتهم - إلا أنه من الناحية العلمية البحتة تناقض، لا ينفك عنه الباحث إلا بطرد الرأي الذي يختاره، فإن طبق مذهب الجمهور، وبحث عن كلامهم، وسلم لهم إذا وجده، فعليه أن يلتزمه فيما إذا لم يجد لهم كلاماً، وذلك بحمل الرواية على عدم الاتصال حتى يثبت السماع، وإن اختار رأي مسلم ومن وافقه فعليه دراسة كل حالة على حدة، بعيداً عن أقوال الأئمة فيها، فإن تبيّن له أنها متصلة على هذا الرأي فعليه التزام ذلك.
وقد فعل مسلم ذلك حين أخرج أسانيد لم يرد فيها السماع، وقد نفاها إمام أو أكثر ممن سبقه (١)، ويفعله أيضاً بعض من تابعه على رأيه، كابن دقيق العيد حين ذكر قول أحمد، وموسى بن هارون في عدم سماع عراك من عائشة، ثم قال: "وقد ذكروا سماع عراك من أبي هريرة ولم ينكروه، وأبوهريرة توفي هو وعائشة