للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدريس وفي ميدان التأليف، كما سنرى.

حياة الشاوي في المشرق تذكر المرء بحياة المقري فيه أيضا. فكلاهما هاجر من بلاده بعد أن جرب فيها التدريس والحياة السياسية (١). وكلاهما اتخذ الحج طريقا للهجرة ثم استقر في مصر أولا ثم منها إلى غيرها من بلاد العرب والإسلام. وكلاهما كان يتمنع بعلم غزير وبحافظة نادرة وذكاء قوي وطموح شخصي كبير واستعداد لركوب سفينة الحياة والخوض بها لجج البحار هادئة وهائجة. وكلاهما أيضا تقرب من أصحاب الجاه والسلطان ونال عندهم حظوة كبيرة مكنته على الأقل من تحقيق بعض أمانيه العلمية، ولم يجد كل منهما هذه الحظوة في بلاده. وقد كانت للمقري شاعرية قوية تفتح له أبواب الأمراء والعلماء، أما الشاوي فيبدو أن الذي كان يساعده على ذلك هو علمه وشخصيته وجرأته. فقد كان كثير الانتقاد لأهل عصره وغيرهم، وكان يقول إذا اعترض عليه في ذلك أنه بانتقاده لهم مثاب (٢). وكان، كما يقول المحبي سريع البديهة حسن المحاضرة يجيب بلا تكلف. وفي إجازته لبعض علماء الشام هاجم الفلاسفة لقولهم بنفي الصفات. أقول لكل فلسفي يدينه ... ألا لعنة الرحمن تعلو مزورا

أجبريل فلك عاشر يا عداتنا ... أعادي شرع الله نلتم تحيرا

بأي طريق قلتم عشر عشرة ... ونفى صفات والقديم تحجرا

حكمتم على الرحمن حجرا محجرا ... ومتعكم خلق الحوادث دمرا (٣)

ويبدو أن الشاوي كان سليط اللسان أيضا. فقد كتب رسالة رد فيها


(١) كان الشاوي بالجزائر عندما هزتها رياح ثورة ابن الصخري التي أشرنا إليها والتي جعلت العلماء يقفون في أغلب الأحوال مع السلطة العثمانية، ويقول خصوم الشاوي إن أمورا قد حدثت له في بلاده أوجبت إخراجه، انظر التعريف بكتابه (النبل الرقيق) في هذا الفصل.
(٢) إجازة أحمد البوني لولده، مكتبة طولقة، وكان البوني من تلاميذ الشاوي.
(٣) (خلاصة الأثر) ٤/ ٤٨٧، ويقول العياشي ٢/ ٣٦٨ عن علاقة الشاوي بمعاصريه (وكثر مادحوه وأكثر منهم ذاموه).

<<  <  ج: ص:  >  >>