فكل من يطلب الأخلاق والكرم والعدل والعلم والنفوذ والجاه عليه أن يقصد بكداش باشا , فهو شريف ذو حسب ونسب، وهو ظريف كيس عارف بمقاصد العلماء وحاجاتهم. وقد حذر البوني أيضا من صولة هذا الباشا وغضبه:
مهد لنا دولته ... ثم قنا صولته ثم شكا إلى الباشا من سوء أحوال عنابة التي شاع فيها، حسب قوله، الظلم وساءت فيها أحوال العلم والعلماء وارتفعت الأسعار وصعبت المعيشة:
يا حاكم الجزائر ... يا أنس نفس الزائر
أريد أن أخبركم ... أدام ربي نصركم
بحال هذي القرية ... بالصدق لا بالفرية
قد صال فيها الظالم ... وهان فيها العالم
خربت المساجد ... وقل فيها الساجد
حبسها قد أسرفا ... ناظره فأشرفا
وأهملت أسعارها ... وبدلت شعارها
والشرع فيها باطل ... والظلم فيها هاطل
والخوف في سبلها ... والقحط في سنبلها
وعندما يقرأ المرء الأفكار التي وردت في هذا الرجز يدرك أن ما أرسله البوني للباشا ليس شعرا وإنما هو (تقرير) عن أحوال عنابة الاجتماعية والسياسية والثقافية، استعمل فيه الرجز لأنه طريق إلى التعميم والتلميح، بدل الإحصاء والتصريح، وفيه أيضا اتقاء من نقمة الحكام. وهذا الموقف من البوني يعتبر أيضا - كموقف ابن آقوجيل - موقفا شجاعا، لأنه أعطى الباشا صورة حية عن بلاده ونواحيها. ويلتقي البوني مع ابن آقوجيل في تقديم