للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندئذ يبحث عمن يساعده. ومهما كان الأمر فقد توفي والد المؤلف سنة ١٨٩٣ (١٣١١) بالديس.

عاش أبو القاسم الحفناوي إذن خلال النصف الثاني من القرن الماضي، فترة المملكة العربية وحكم المكاتب العربية العسكرية، ثم حكم النظام الجمهوري (١٨٧٠)، وما سنه من قوانين ضد الجزائريين وإرهاقهم مثل قانون الأهالي. وقد عاش أحداث ثورات ١٨٧١، وبوشوشة، والأوراس، أثناء شبابه، ولعله كان يتردد على زوايا نفطة وطولقة والهامل عندما كان محيي الدين بن الأمير عبد القادر يبعث برسله ورسائله إلى أعيان الجزائر يدعوهم إلى الثورة، وحين تنفيذ حكم الإعدام في بوشوشة، ولجوء بومزراق وقادة الرحمانية إلى الصحراء. وكان الحفناوي قد تردد أيضا كأبيه على الزوايا الرحمانية للقراءة، ويظهر من كتابه أنه متأثر بثقافة الطرق الصوفية. ولكنه لم يؤسس طريقة، كما فعل بعض الشيوخ. ولا ندري ما الذي جاء به إلى العاصمة وكيف كان استقراره بها، وهل سبق له التوظف في المكاتب العربية في الصحراء ثم أرسلوه منها إلى العاصمة لأغراض أخرى؟ وهل جاء العاصمة زائرا أو باحثا عن الكتب القديمة؟.

لقد كان الحفناوي في الثلاثينات من عمره عندما جاء إلى العاصمة، سنة ١٨٨٣ (فترة الحاكم العام البغيض لويس تيرمان). وسرعان ما وجد طريقه في الجريدة الرسمية التي كان يشرف عليها المترجم آرنو (وهو اسم مستعار)، أحد أعيان الترجمة والمخابرات، وكانت صلته بإدارة الشؤون الأهلية قوية، وهي الإدارة التي كان يشرف عليها الضابط المختص في شؤون الطرق الصوفية، لويس رين. ويهمنا أن نعرف أن هذه الإدارة هي التي كانت تشرف أيضا على جريدة المبشر. وهكذا تتضح إلى حد كبير الصلة بين هذه الإدارة وآرنو وأبي القاسم الحفناوي. ولقد عبر الحفناوي نفسه عن عرفانه بالجميل لآرنو الذي تعلم منه، كما قال، الفرنسية، والآداب والترفع على المتكبرين والتواضع أمام غيرهم. فقد قال إن آرنو هو (شيخه) في العلوم العصرية أيضا، وإنه رباه عقليا وعلميا فارتقى إلى (درجة أفتخر بها على أبناء

<<  <  ج: ص:  >  >>