أسابيع فقط بعد احتلال العاصمة - والموجه إلى سكان متيجة والمدية، بمناسبة خروج قائد الحملة للنزهة والتفرج، حسب تعبيرهم، ونحن نعلم أن كلا من بورمون وكلوزيل قد حاول فك الحصار المضروب على العاصمة والخروج نحو الجنوب لاكتشاف المواقع ولاختبار إرادة السكان الذين قاطعوا أسواق المدينة والتعامل معها بعد احتلالها، فالخروج لم يكن للنزهة والتفرج وإنما كان للاستكشاف وجس النبض.
صدر النداء المذكور من المفتي (شيخ الإسلام) محمد ابن العنابي قبل الحكم عليه بالنفي من كلوزيل، والمفتي المالكي علي بن محمد المانجلاتي، والقاضي الحنفي الذي لم يذكر اسمه في الوثيقة لأن بورمون قد نفاه، والقاضي المالكي مصطفى بن محمد، وهو هنا ابن الكبابطي الذي سيتولى الفتوى مكان المانجلاتي بعد وفاته، وسيكون مصيره النفي أيضا على يد بوجو سنة ١٨٤٣ (١). وبذلك يكون أصحاب هذا النداء الثلاثة قد نفاهم الفرنسيون، أما الرابع فقد توفي طبيعيا، والنداء قد أعلن للسكان أن القائد الفرنسي سيتوجه إلى متيجة والمدية دون نية له في الحرب ولكن للتعامل وشراء البضائع، وأن على السكان ألا يواجهوه بالحرب، لأنه، إذا فعلوا ذلك، سيحاربهم دفاعا عن نفسه، واستشهد هؤلاء العلماء خطأ بالآية الكريمة:{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}. وقد تبين أنهم كانوا مخطئين في قراءتهم لنوايا الفرنسيين، فهؤلاء كانوا ينوون الاطلاع على عورات المسلمين ونقاط ضعفهم وجلب المواد الغذائية، ومن ثمة معرفة القوة والضعف لكي يتوسعوا بعد ذلك في الاحتلال، والدليل على ذلك أنهم أرسلوا أسطولهم إلى كل من وهران وعنابة أيضا في نفس الوقت، وأنهم حولوا النزهة إلى غزوة في كل من البليدة والمدية، وكم من مرة استعمل علماء المسلمين والعرب في العصر الحاضر الآية المذكورة غفلة منهم أو تضليلا لشعوبهم، لأن شروط الجنوح إلى السلم معروفة، وهي غير متوفرة.
لقد احتج علماء سنة ١٨٣٠ بحسن نية القائد الفرنسي، وكونه حلف
(١) عن الكبابطي انظر دراستنا عنه في كتابنا (أبحاث وآراء ...) ج ٢، ط. بيروت، ١٩٩٢.