للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن المسؤول على ذلك هو نظام التعليم نفسه، وكان نظاما مقصودا كما عرفنا، لكي تصل الدراسات العربية - الإسلامية عامة إلى هذا المستوى في فاتح هذا القرن.

والغريب أنه رغم هذا النقد اللاذع، والموضوعي في بعض وجوهه، دعا بيل حكومته إلى عدم التخلص من هذا النوع من التعليم، لأن الوقت لم يحن بعد للتخلص منه في رأيه. فهو يقول أن الحكومة متسامحة مع هذا التعليم الذي تعرف أنه لا يؤدي إلى اليقظة العقلية للجزائريين. فهو تعليم ليس في صالح المجتمع المسلم. واعتبر التعليم الإسلامي كله في الجزائر (من المسيد، إلى الشريعة، إلى الزاوية، إلى المسجد) تعليما دينيا (طقوسيا Confessionnelle، وهو بهذه الصفة لا يمكن أن يطور الأفكار وحرية الرأي عند التلميذ. فالتعليم في الزوايا (والجوامع) لا يعدو، في نظر بيل، أن يكون حفظا واستظهارا، وأن الدين فيه ليس سوى طقوس وأشكال بدون قيم (١). ومع ذلك، فإن ألفريد بيل لم يكن يعرف أسرار كل هذا التعليم الذي بقي يشكل أسلوبا من أساليب المقاومة في نظرنا أمام المحاصرة التي ذكرناها. فلم يكن أمام المعلمين ولا التلاميذ من طرق أخرى سوى الاستسلام للجهل أو الفرنسة. وقد أفلت بعضهم فأكمل تعليمه في البلدان المجاورة أو في مصر. ولم يكن بعض خريجي المدارس الشرعية الفرنسية ومدرسي المساجد الرسمية بأحسن حظا في التفكير والذكاء من زملائهم في الزوايا رغم تلقيهم العلم على أمثال ألفريد بيل من المستشرقين المهرة في أسلوب التعليم الحديث! ولماذا يا ترى لم يدع بيل إلى تطوير التعليم الإسلامي بدل الدعوة للقضاء عليه وإحلال التعليم الفرنسي مكانه؟!.

وفي بداية هذا القرن كثر الحديث عن (إصلاح الزوايا) وجعل تعليمها يتماشى مع التطور المنهجي والنفسي. وشارك في ذلك الحديث الجزائريون والفرنسيون. كان المطالبون بإصلاحها يريدون المحافظة على اللغة العربية والتراث الإسلامي، وأما الذين لا يطالبون بإصلاحها فهم يريدون أن تبقى


(١) ألفريد بيل (مؤتمر)، مرجع سابق، ص ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>