الزكاة أخذت من ماله بغير اختياره، وهذا الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزئه في الباطن؟ وجهان لأصحابنا (فترد) وعند مسلم: وترد (على فقرائهم) واستدل به مالك على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف المذكورين في الآية، وأنه يجوز للإمام صرفها
إلى صنف واحد من الأصناف المذكورين في الآية إذا رآه نظراً ومصلحة دينية، قاله القرطبي. قال ابن دقيق العيد: وفيه يحث لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء (فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. قال ابن قتيبة: لا يجوز حذف الواو، والكرائم جمع كريمة: أي: نفيسة، ففيه ترك أخذ خيار المال. والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا أن رضوا بذلك (واتق دعوة المظلوم) .
قال الحافظ ابن حجر: أي: تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه التنبيه على المنع من جميع الظلم. والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الأشارة إلى أن أخذها ظلم. وقال بعضهم:«واتق» عطف على عامل «إياك» المحذوف وجوباً فالتقدير: اتق نفسك أن تتعرض للكرائم، أو أشار بالعطف إلى أن أخذ الكرائم ظلم، ولكنه فيه إشارة إلى التحذير عن الظلم مطلقاً (فإنه) قال القرطبي: الرواية الصحيحة بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن، ويحتمل أنه يعود على مذكر الدعوة فإن الدعوة دعاء. ووقع في بعض النسخ: أي: من مسلم «فإنها» بهاء التأنيث، وهو عائد على لفظ الدعوة (ليس بينها وبين الله حجاب) أي: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصياً كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه» وإسناده حسن، وليس المراد أن حجاباً يحجبه عن الناس. قال الطيبي: فقوله اتق دعوة المظلوم تذييل لاشتماله على الظلم الخاص سن أخذ الكرائم وعلى غيره، وقوله: فإنه تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار السلطان مظلوماً فلا يحجب. قال ابن العربي: إلا أنه وإن كان مطلقاً فهو مقيد بالحديث الآخر «إن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه وإما أن يدفع عنه من السوء مثله» وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى: {أمن يجيب المضطرّ إذا دعاه}(النمل: ٦٢) بقوله: {فيكشف ما تدعون إليه إن