للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْلِمُونَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي اعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءُ - يعني: أصْحَابَهُ - وَأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعنِي: المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعَدَ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أجِدُ ريحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ! فَقَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رسولَ اللهِ مَا صَنَعَ! قَالَ أنسٌ: فَوَجدْنَا بِهِ بِضعاً وَثَمَانِينَ ضَربَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً برُمح أَوْ رَمْيةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ،

ــ

الموقف الذي عينه لهم - صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم ألا يفارقوه، حتى يأتيهم الإِذن فخالفوا فوقع ما وقع (فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني) بالمشار إليهم (أصحابه) أي: المسلمين (وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين) وما صنع الأولون هو مفارقة ما أنزلوا فيه، وما صنعه الكفار هو مقاتلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والكفر بالله وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - (ثم تقدم) أي: إلى العدو (فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد) بضم الدال ويجوز فتحها لكونه وصف بقوله (ابن معاذ) المنصوب لا غير (الجنة ورب النضر) الجملة القسمية معترضة بين المبتدأ وجملة الخبر التي هي (إني أجد ريحها من دون أحد) ولا مانع من إبقاء الكلام على حقيقته من إنشاقه عرفها؛ ليبعثه على الجهاد فيكتسب عرفها، ويحتمل أن يكون أراد أنه استحضر الجنة التي أعدت للشهيد، تصور أنها في ذلك الموضع الذي يقاتل فيه، والمعنى إني لأعلم أن الجنة تكتسب في هذا الموضع فأنا مشتاق لها (قال سعد: فما استطعت يا رسول الله أن أصنع ما صنع) أي: ما قدرت أن فعل في الجهاد مثل فعله من الإقدام على العدو وطرح النفس في نحر الكفار والخروج عنها لله تعالى، وفيه الشهادة بحسن العمل عند الأكابر والأشراف (قال أنس) أي: ابن مالك (فوجدنا به بضعاً) بكسر الموحدة، وبعض العرب يفتحها وبسكون الضاد المعجمة وبالمهملة، تستعمل في الثلاثة والتسعة وما بينهما ويستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال في المصباح: البضع أيضاً يستعمل من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر، لكن تثبت الهاء في بضع مع المذكر وتحذف مع المؤنث، ولا يستعمل فيما زاد على العشرين، وأجازه بعض المشايخ، فيقال بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة، وهكذا قاله أبو زيد، وقالوا على هذا معنى البضع، والبضعة في العدد قطعة مبهمة غير محدودة اهـ قلت: وحديث الباب شاهد لإِطلاقه على ما فوق العشرين والله أعلم (وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم) وتعريف السيف دون المذكورين معه، تفنن في التعبير وأو فيه للتقسيم (ووجدناه قد قتل) بالبناء للمجهول لعدم العلم بالفاعل (وقد مثل به المشركون) قال في المصباح: مثلت بالقتيل مثلاً من بابي قتل وضرب إذا جدعته (١) وظهر


(١) جدعته بالدال المهملة قطعت أنفه أو أذنه أو يده أو شفته كما في الصحاح. ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>